وقال الذين لا يعلمون لولا يكلمنا الله أو تأتينا آية كذلك قال الذين من قبلهم مثل قولهم تشابهت قلوبهم قد بينا الآيات لقوم يوقنون .
وقال الذين لا يعلمون : حكاية لنوع آخر من قبائحهم؛ وهو قدحهم في أمر النبوة؛ بعد حكاية قدحهم في شأن التوحيد بنسبة الولد إليه - سبحانه وتعالى -؛ واختلف في هؤلاء القائلين؛ فقال - رضي الله عنهما -: اليهود؛ وقال ابن عباس هم النصارى. ووصفهم بعدم العلم لعدم علمهم بالتوحيد؛ والنبوة؛ كما ينبغي؛ أو لعدم علمهم بموجب عملهم؛ أو لأن ما يحكى عنهم لا يصدر عمن له شائبة علم أصلا؛ وقال مجاهد: [ ص: 152 ] وأكثر أهل التفسير: هم مشركو قتادة؛ العرب؛ لقوله (تعالى): فليأتنا بآية كما أرسل الأولون ؛ وقالوا: لولا أنزل علينا الملائكة أو نرى ربنا .
لولا يكلمنا الله : أي: هلا يكلمنا؛ بلا واسطة؛ أمرا؛ أو نهيا؛ كما يكلم الملائكة؛ أو: هلا يكلمنا تنصيصا على نبوتك؛ أو تأتينا آية : حجة تدل على صدقك؛ بلغوا من العتو والاستكبار إلى حيث أملوا نيل مرتبة المفاوضة الإلهية من غير توسط الرسول - عليه الصلاة والسلام -؛ والملك؛ ومن العناد والمكابرة إلى حيث لم يعدوا ما آتاهم من البينات الباهرة؛ التي تخر لها صم الجبال؛ من قبيل الآيات؛ قاتلهم الله أنى يؤفكون؛ كذلك : مثل ذلك القول الشنيع؛ الصادر عن العناد والفساد؛ قال الذين من قبلهم ؛ من الأمم الماضية؛ مثل قولهم ؛ هذا الباطل الشنيع؛ فقالوا: أرنا الله جهرة ؛ وقالوا: لن نصبر على طعام واحد ؛ الآية.. وقالوا: هل يستطيع ربك ؛ إلخ.. وقالوا: اجعل لنا إلها ؛ إلخ..
تشابهت قلوبهم : أي: قلوب هؤلاء؛ وأولئك؛ في العمى؛ والعناد؛ وإلا لما تشابهت أقاويلهم الباطلة؛ قد بينا الآيات : أي: نزلناها بينة؛ بأن جعلناها كذلك في أنفسها؛ كما في قولهم: "سبحان من صغر البعوض؛ وكبر الفيل"؛ لا أنا بيناها بعد أن لم تكن بينة؛ لقوم يوقنون : أي: يطلبون اليقين؛ ويوقنون بالحقائق؛ لا يعتريهم شبهة؛ ولا ريبة؛ وهذا رد لطلبهم الآية؛ وفي تعريف الآيات؛ وجمعها؛ وإيراد التبيين المفصح عن كمال التوضيح؛ مكان الإتيان؛ الذي طلبوه؛ ما لا يخفى من الجزالة؛ والمعنى أنهم اقترحوا آية فذة؛ ونحن قد بينا الآيات العظام لقوم يطلبون الحق؛ واليقين؛ وإنما لم يتعرض لرد قولهم: لولا يكلمنا الله ؛ إيذانا بأنه من ظهور البطلان؛ بحيث لا حاجة له إلى الرد والجواب.