أفمن أسس بنيانه على تقوى من الله ورضوان خير أم من أسس بنيانه على شفا جرف هار فانهار به في نار جهنم والله لا يهدي القوم الظالمين
أفمن أسس بنيانه على بناء الفعل للفاعل والنصب، وقرئ على البناء للمفعول والرفع، وقرئ (أسس بنيانه) على الإضافة جمع أساس، وأساس بالفتح والكسر جمع أس، وقرئ (أساس بنيانه) جمع أس أيضا، و(أس بنيانه) وهي جملة مستأنفة مبينة لخيرية الرجال المذكورين من أهل مسجد الضرار، والهمزة للإنكار، والفاء للعطف على مقدر، أي: أبعد ما علم حالهم من أسس بنيان دينه على تقوى من الله ورضوان أي: على قاعدة محكمة هي التقوى من الله وابتغاء مرضاته بالطاعة، والمراد بالتقوى: درجتها الثانية التي هي التوقي عن كل ما يؤثم من فعل أو ترك، وقرئ (تقوى) بالتنوين على أن الألف للإلحاق دون التأنيث خير أم من أسس بنيانه ترك الإضمار للإيذان باختلاف البنيانين ذاتا مع اختلافهما وصفا وإضافة على شفا جرف هار الشفا الحرف والشفير، والجرف ما جرفه السيل، أي: استأصله واحتفر ما تحته فبقي واهيا يريد الانهدام، والهار الهائر المتصدع المشرف إلى السقوط من هار يهور ويهار، أو هار يهير قدمت لامه على عينه فصار كغاز ورام، وقيل: حذفت عينه اعتباطا، أي: بغير موجب فجرى وجوه الإعراب على لامه.
فانهار به في نار جهنم مثل ما بنوا عليه أمر دينهم في البطلان وسرعة الانطماس بما ذكر، ثم رشح بانهياره في النار ووضع بمقابلة الرضوان تنبيها على أن تأسيس ذلك على أمر يحفظه من النار ويوصله إلى الرضوان ومقتضياته التي أدناها الجنة، وتأسيس هذا على ما هو بصدد الوقوع في النار ساعة فساعة، ثم مصيرهم إليها لا محالة، وقرئ (جرف) بسكون الراء.
والله لا يهدي القوم الظالمين أي: لأنفسهم أو الواضعين للأشياء في غير مواضعها، [ ص: 104 ] أي: لا يرشدهم إلى ما فيه نجاتهم وصلاحهم إرشادا موجبا له لا محالة، وأما الدلالة على ما يرشدهم إليه إن استرشدوا به فهو متحقق بلا اشتباه.