لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والأنصار الذين اتبعوه في ساعة العسرة من بعد ما كاد يزيغ قلوب فريق منهم ثم تاب عليهم إنه بهم رءوف رحيم
لقد تاب الله على النبي قال - رضي الله عنهما -: هو العفو عن إذنه للمنافقين في التخلف عنه ابن عباس والمهاجرين والأنصار قيل: هو في حق زلات سبقت منهم يوم أحد ويوم حنين، وقيل: المراد بيان فضل التوبة، وأنه ما من مؤمن إلا وهو محتاج إليها حتى النبي - صلى الله عليه وسلم - لما صدر عنه في بعض الأحوال من ترك الأولى الذين اتبعوه ولم يتخلفوا عنه ولم يخلوا بأمر من أوامره في ساعة العسرة أي: في وقتها، والتعبير عنه بالساعة لزيادة تعيينه، وهي حالهم في غزوة تبوك كانوا في عسرة من الظهر يعتقب عشرة على بعير واحد، ومن الزاد تزودوا [ ص: 109 ] التمر المدود والشعير المسوس والإهالة الزنخة، وبلغت بهم الشدة إلى أن اقتسم التمرة اثنان، وربما مصها الجماعة ليشربوا عليها الماء المتغير، وفي عسرة من الماء حتى نحروا الإبل واعتصروا فروثها، وفي شدة زمان من حمارة القيظ، ومن الجدب والقحط والضيقة الشديدة، ووصف المهاجرين والأنصار بما ذكر من اتباعهم له - عليه الصلاة والسلام - في مثل هاتيك المراتب من الشدة للمبالغة في بيان الحاجة إلى التوبة، فإن ذلك حيث لم يغنهم عنها فلأن لا يستغني عنها غيرهم أولى وأحرى.
من بعد ما كاد يزيغ قلوب فريق منهم بيان لتناهي الشدة وبلوغها إلى ما لا غاية وراءها، وهو إشراف بعضهم على أن يميلوا إلى التخلف عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وفي "كاد" ضمير الشأن، أو ضمير القوم الراجع إليه الضمير في منهم، وقرئ بتأنيث الفعل، وقرئ من بعد ما زاغت قلوب فريق منهم، يعني: المتخلفين من المؤمنين كأبي لبابة وأضرابه.
ثم تاب عليهم تكرير للتأكيد، وتنبيه على أنه يتاب عليهم من أجل ما كابدوا من العسرة، والمراد: أنه تاب عليهم لكيدودتهم إنه بهم رءوف رحيم استئناف تعليلي، فإن صفة الرأفة والرحمة من دواعي التوبة والعفو، ويجوز كون الأول عبارة عن إزالة الضرر والثاني عن إيصال المنفعة، وأن يكون أحدهما للسوابق والآخر للواحق.