وما كان المؤمنون لينفروا كافة فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون
وما كان المؤمنون [ ص: 112 ] لينفروا كافة أي: ما صح وما استقام لهم أن ينفروا جميعا لنحو غزو، أو طلب علم كما لا يستقيم لهم أن يتثبطوا جميعا، فإن ذلك مخل بأمر المعاش فلولا نفر فهلا نفر من كل فرقة أي: طائفة كثيرة منهم كأهل بلدة، أو قبيلة عظيمة طائفة أي: جماعة قليلة ليتفقهوا في الدين أي: يتكلفوا الفقاهة فيه ويتجشموا مشاق تحصيلها ولينذروا قومهم أي: وليجعلوا غاية سعيهم ومرمى غرضهم من ذلك إرشاد القوم وإنذارهم إذا رجعوا إليهم وتخصيصه بالذكر؛ لأنه أهم، وفيه دليل على أن التفقه في الدين من فروض الكفاية، وأن يكون غرض المتعلم الاستقامة والإقامة لا الترفع على العباد والتبسط في البلاد، كما هو ديدن أبناء الزمان، والله المستعان.
لعلهم يحذرون إرادة أن يحذروا عما ينذرون، واستدل به على أن أخبار الآحاد حجة؛ لأن عموم كل فرقة يقتضي أن ينفر من كل ثلاثة تفردوا بقرية طائفة إلى التفقه لتنذر فرقتها كي يتذكروا ويحذروا، فلو لم يعتبر الإخبار ما لم يتواتر لم يفد ذلك.
وقد قيل: للآية وجه آخر، وهو أن المؤمنين لما سمعوا ما نزل في المتخلفين سارعوا إلى النفير رغبة ورهبة، وانقطعوا عن التفقه فأمروا أن ينفر من كل فرقة طائفة إلى الجهاد، ويبقى أعقابهم يتفقهون حتى لا ينقطع الفقه الذي هو الجهاد الأكبر؛ لأن الجدال بالحجة هو الأصل، والمقصود من البعثة، فالضمير في "ليتفقهوا" و"لينذروا" لبواقي الفرق بعد الطوائف النافرة للغزو، وفي رجعوا للطوائف، أي: ولينذر البواقي قومهم النافرين إذا رجعوا إليهم بما حصلوا في أيام غيبتهم من العلوم.