فلما ألقوا قال موسى ما جئتم به السحر إن الله سيبطله إن الله لا يصلح عمل المفسدين
فلما ألقوا ما ألقوا من العصي والحبال واسترهبوا الناس وجاءوا بسحر عظيم قال لهم موسى غير مكترث بهم وبما صنعوا ما جئتم به السحر ما موصولة [ ص: 170 ] وقعت مبتدأ، والسحر خبره، أي: هو السحر لا ما سماه فرعون وقومه من آيات الله سبحانه، أو هو من جنس السحر، يريهم أن حاله بين لا يعبأ به،كأنه قال: ما جئتم به مما لا ينبغي أن يجاء به، وقرئ (السحر) على الاستفهام فـ"ما" استفهامية، أي: أي شيء جئتم به أهو السحر الذي يعرف حاله كل أحد، ولا يتصدى له عاقل، وقرئ (ما جئتم به سحر) وقرئ (ما أتيتم به سحر) ودلالتهما على المعنى الثاني في القراءة المشهورة أظهر.
إن الله سيبطله أي: سيمحقه بالكلية بما يظهره على يدي من المعجزة، فلا يبقى له أثر أصلا، أو سيظهر بطلانه للناس، والسين للتأكيد إن الله لا يصلح عمل المفسدين أي: عمل جنس المفسدين على الإطلاق، فيدخل فيه السحر دخولا أوليا، أو عملكم فيكون من باب وضع المظهر موضع المضمر للتسجيل عليهم بالإفساد والإشعار بعلة الحكم، وليس المراد بعدم إصلاح عملهم عدم جعل فسادهم صلاحا، بل عدم إثابته وإتمامه، أي: لا يثبته ولا يكمله ولا يديمه، بل يمحقه ويهلكه ويسلط عليه الدمار، والجملة تعليل لما سبق من قوله: "إن الله سيبطله" والكل اعتراض تذييلي، وفيه دليل على أن السحر إفساد وتمويه لا حقيقة له .