وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو وإن يردك بخير فلا راد لفضله يصيب به من يشاء من عباده وهو الغفور الرحيم
وإن يمسسك الله بضر تقرير لما أورد في حيز الصلة من سلب النفع من الأصنام، وتصوير لاختصاصه به سبحانه فلا كاشف له عنك كائنا من كان وما كان إلا هو وحده، فيثبت عدم كشف الأصنام بالطريق البرهاني، وهو بيان لعدم النفع برفع المكروه المستلزم لعدم النفع بجلب المحبوب استلزاما ظاهرا، فإن رفع المكروه أدنى مراتب النفع فإذا انتفي انتفي بالكلية.
وإن يردك بخير تحقيق لسلب الضرر الوارد في حيز الصلة، أي: إن يرد أن يصيبك بخير فلا راد لفضله الذي من جملته ما أرادك به من الخير، فهو دليل على جواب الشرط لا نفس الجواب، وفيه إيذان بأن فيضان الخير منه تعالى بطريق التفضل من غير استحقاق عليه سبحانه، أي: لا أحد يقدر على رده كائنا ما كان فيدخل فيه الأصنام دخولا أوليا، وهو بيان لعدم ضرها بدفع المحبوب قبل وقوعه المستلزم لعدم ضرها برفعه، أو بإيقاع المكروه استلزاما جليا، ولعل ذكر الإرادة مع الخير والمس مع الضر - مع تلازم الأمرين - للإيذان بأن الخير مراد بالذات، وأن الضر إنما يمس من يمسه لما يوجبه من الدواعي الخارجية لا بالقصد الأولي، أو أريد معنى الفعلين في كل من الضر والخير، وأنه لا راد لما يريد منهما، ولا مزيل لما يصيب به منهما، فأوجز الكلام بأن ذكر في أحدهما المس، وفي الآخر الإرادة، ليدل بما ذكر في كل جانب على ما ترك في الجانب الآخر على أنه قد صرح بالإصابة حيث قيل: يصيب به إظهارا لكمال العناية بجانب الخير، كما ينبئ عنه ترك الاستثناء فيه، أي يصيب بفضله الواسع المنتظم لما أرادك به من الخير، وجعل الفضل عبارة عن ذلك الخير بعينه - على أن يكون من باب وضع المظهر في موضع المضمر - لما ذكر من الفائدة، يأباه قوله عز وجل: من يشاء من عباده فإن ذلك ينادي بعموم الفضل.
وقوله عز قائلا: وهو الغفور الرحيم تذليل لقوله تعالى "يصيب به" ... إلخ، مقرر لمضمونه، والكل تذييل للشرطية الأخيرة محقق لمضمونها.