قالوا يا شعيب ما نفقه كثيرا مما تقول وإنا لنراك فينا ضعيفا ولولا رهطك لرجمناك وما أنت علينا بعزيز
قالوا يا شعيب ما نفقه كثيرا مما تقول الفقه معرفة غرض المتكلم من كلامه، أي: ما نفهم مرادك، وإنما قالوه بعدما سمعوا منه دلائل الحق المبين على أحسن وجه وأبلغه، وضاقت عليهم الحيل، وعيت بهم العلل، فلم يجدوا إلى محاورته سبيلا سوى الصدود عن منهاج الحق والسلوك إلى سبيل الشقاء، كما هو ديدن المفحم المحجوج، يقابل البينات بالسب والإبراق والإرعاد، فجعلوا كلامه المشتمل على فنون الحكم والمواعظ وأنواع العلوم والمعارف من قبيل ما لا يفهم معناه ولا يدرك فحواه، وأدمجوا في ضمن ذلك أن في تضاعيفه ما يستوجب أقصى ما يكون من المؤاخذة والعقاب، ولعل ذلك ما فيه من التحذير من عواقب الأمم السالفة، ولذلك قالوا: وإنا لنراك فينا فيما بيننا ضعيفا لا قوة لك، ولا قدرة على شيء من الضر والنفع والإيقاع والدفع ولولا رهطك لولا مراعاة جانبهم لا لولاهم يمانعوننا ويدافعوننا لرجمناك فإن ممانعة الرهط - وهو اسم للثلاثة إلى [ ص: 236 ] السبعة أو إلى العشرة - لهم وهم ألوف مؤلفة مما لا يكاد يتوهم، وقد أيد ذلك بقوله عز وجل: وما أنت علينا بعزيز مكرم محترم حتى نمتنع من رجمك، وإنما نكف عنه للمحافظة على حرمة رهطك الذين ثبتوا على ديننا، ولم يختاروك علينا، ولم يتبعوك دوننا، وإيلاء الضمير حرف النفي - وإن لم يكن الخبر فعليا - غير خال عن الدلالة على رجوع النفي إلى الفاعل دون الفعل لا سيما مع قرينة قوله: "ولولا رهطك" كأنه قيل: وما أنت علينا بعزيز، بل رهطك هم الأعزة علينا، وحيث كان غرضهم من عظيمتهم هذه عائدا إلى نفي ما فيه - عليه السلام - من القوة والعزة الربانيتين حسبما يوجبه كونه على بينة من ربه مؤيدا من عنده، ويقتضيه قضية طلب التوفيق منه والتوكل عليه والإنابة إليه، وإلى إسقاط ذلك كله عن درجة الاعتداد به والاعتبار