وقال للذي ظن أنه ناج منهما اذكرني عند ربك فأنساه الشيطان ذكر ربه فلبث في السجن بضع سنين
وقال [ ص: 280 ] أي: يوسف - عليه السلام -: للذي ظن أنه ناج أوثر على صيغة المضارع مبالغة في الدلالة على تحقق النجاة، حسبما يفيده قوله تعالى: قضي الأمر الذي فيه تستفتيان وهو السر في إيثار ما عليه النظم الكريم على أن يقال: للذي ظنه ناجيا منهما من صاحبيه، وإنما ذكر بوصف النجاة؛ تمهيدا لمناط التوصية بالذكر عند الملك، وعنوان التقرب المفهوم من التعبير المذكور - وإن كان أدخل في ذلك وأدعى إلى تحقيق ما وصاه به - لكنه ليس بوصف فارق يدور عليه الامتياز بينه وبين صاحبه المذكور بوصف الهلاك، والظان هو يوسف - عليه السلام - لا صاحبه؛ لأن التوصية المذكورة لا تدور على ظن الناجي، بل على ظن يوسف وهو بمعنى اليقين، كما في قوله تعالى: ظننت أني ملاق حسابيه فالتعبير بالوحي كما ينبئ عنه قوله تعالى قضي الأمر ... إلخ، وقيل: هو بمعناه، والتعبير بالاجتهاد والحكم بقضاء الأمر أيضا اجتهادي.
اذكرني بما أنا عليه من الحال والصفة عند ربك سيدك، وصفني له بصفتي التي شاهدتها فأنساه الشيطان أي: أنسى الشرابي بوسوسته وإلقائه في قلبه أشغالا تعوقه عن الذكر، وإلا فالإنساء في الحقيقة لله - عز وجل - والفاء للسببية، فإن توصيته - عليه السلام - المتضمنة للاستعانة بغيره سبحانه كانت باعثة لما ذكر عن الإنساء ذكر ربه أي: ذكر الشرابي له - عليه السلام - عند الملك، والإضافة لأدنى ملابسة، أو ذكر إخبار ربه فلبث أي: يوسف - عليه السلام - بسبب ذلك الإنساء أو القول في السجن بضع سنين البضع: ما بين الثلاث إلى التسع، من البضع وهو القطع، وأكثر الأقاويل أنه لبث فيه سبع سنين.
وروي عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: يوسف لو لم يقل: (اذكرني عند ربك) لما لبث في السجن سبعا بعد الخمس» والاستعانة بالعباد - وإن كانت مرخصة - لكن اللائق بمناصب الأنبياء - عليهم السلام - الأخذ بالعزائم. «رحم الله أخي