قالوا أضغاث أحلام وما نحن بتأويل الأحلام بعالمين
قالوا استئناف مبني على السؤال، كأنه قيل: فماذا قال الملأ للملك؟ فقيل: قالوا هي أضغاث أحلام أي: تخاليطها جمع ضغث، وهو في الأصل ما جمع من أخلاط النبات وحزم، ثم استعير لما تجمعه القوة المتخيلة من أحاديث النفس ووساوس الشيطان وتريها في المنام، والأحلام جمع حلم، وهي الرؤيا الكاذبة التي لا حقيقة لها، والإضافة بمعنى من، أي: هي أضغاث من أحلام، أخرجوها من جنس الرؤيا التي لها عاقبة تؤول إليها ويعتنى بأمرها، وجمعوها - وهي رؤيا واحدة - مبالغة في وصفها بالبطلان، كما في قولهم: (فلان يركب الخيل ويلبس العمائم) لمن لا يملك إلا فرسا واحدا وعمامة فردة، أو لتضمنها أشياء مختلفة من البقرات السبع السمان والسبع العجاف والسنابل السبع الخضر والأخر اليابسات، فتأمل حسن موضع الأضغاث مع السنابل فلله در شأن التنزيل.
وما نحن بتأويل الأحلام أي: المنامات الباطلة التي لا أصل لها بعالمين لا لأن لها تأويلا ولكن لا نعلمه، بل لأنه لا تأويل لها، وإنما التأويل للمنامات الصادقة، يجوز أن يكون ذلك اعترافا منهم بقصور علمهم، وأنهم ليسوا بنحارير في تأويل الأحلام - مع أن لها تأويلا - كما يشعر به عدولهم عما وقع في كلام الملك من العبارة المعربة عن مجرد الانتقال من الدال إلى المدلول - حيث لم يقولوا بتعبير الأحلام أو عبارتها - إلى التأويل المنبئ عن التصرف والتكلف في ذلك؛ لما بين الآثل والمآل من البعد، ويؤيده قوله عز وجل: (أنا أنبئكم بتأويله).