قال هل علمتم ما فعلتم بيوسف وأخيه إذ أنتم جاهلون
قال مجيبا عما عرضوا به وضمنوه كلامهم من طلب رد أخيهم: هل علمتم ما فعلتم بيوسف وأخيه وكان الظاهر أن يتعرض لما فعلوا بأخيه فقط، وإنما تعرض لما فعلوا بيوسف لاشتراكهما في وقوع الفعل عليهما، فإن المراد بذلك إفرادهم له عن يوسف ، وإذلاله بذلك حتى كان لا يستطيع أن يكلمهم إلا بعجز وذلة، أي: هل تبتم عن ذلك بعد علمكم بقبحه، فهو سؤال عن الملزوم والمراد لازمه إذ أنتم جاهلون بقبحه فلذلك أقدمتم على ذلك، أو جاهلون عاقبته، وإنما قاله نصحا لهم وتحريضا على التوبة، وشفقة عليهم لما رأى عجزهم وتمسكنهم لا معاتبة وتثريبا، ويجوز أن يكون هذا الكلام منه - عليه السلام - منقطعا عن كلامهم، وتنبيها لهم على ما هو حقهم ووظيفتهم من الإعراض عن جميع المطالب والتمحض في طلب بنيامين، بل يجوز أن يقف - عليه السلام - بطريق الوحي أو الإلهام على وصية أبيه وإرساله إياهم للتحسس منه ومن أخيه، فلما رآهم قد اشتغلوا عن ذلك قال ما قال.
وقيل: أعطوه كتاب يعقوب - عليه السلام - وقد كتب فيه: كتاب من يعقوب إسرائيل الله ابن إسحاق ذبيح الله بن إبراهيم خليل الله إلى عزيز مصر ، أما بعد: فإنا أهل بيت موكل بنا البلاء، أما جدي فشدت يده ورجلاه فرمي به في النار فنجاه الله تعالى، وجعلت له بردا وسلاما، وأما أبي فوضع السكين [ ص: 304 ] على قفاه ليقتل ففداه الله تعالى، وأما أنا فكان لي ابن وكان أحب أولادي إلي فذهب به إخوته إلى البرية، ثم أتوني بقميصه ملطخا بالدم، فقالوا: قد أكله الذئب فذهبت عيناي من بكائي عليه، ثم كان لي ابن - وكان أخاه من أمه - وكنت أتسلى به فذهبوا به، ثم رجعوا وقالوا: إنه سرق، وأنك حبسته، وإنا أهل بيت لا نسرق ولا نلد سارقا، فإن رددته علي وإلا دعوت عليك دعوة تدرك السابع من ولدك، والسلام، فلما قرأه لم يتمالك وعيل صبره، فقال لهم ما قال، وقيل: لما قرأه بكى وكتب الجواب: اصبر كما صبروا تظفر كما ظفروا.