زين للذين كفروا الحياة الدنيا ويسخرون من الذين آمنوا والذين اتقوا فوقهم يوم القيامة والله يرزق من يشاء بغير حساب .
زين للذين كفروا الحياة الدنيا : أي: حسنت في أعينهم؛ وأشربت محبتها في قلوبهم؛ حتى تهالكوا عليها؛ وتهافتوا فيها؛ معرضين عن غيرها؛ والتزيين - من حيث الخلق والإيجاد - مستند إلى الله - سبحانه -؛ كما يعرب عنه القراءة على البناء للفاعل؛ إذ ما من شيء إلا وهو خالقه؛ وكل من الشيطان؛ والقوى الحيوانية؛ وما في الدنيا من الأمور البهية؛ والأشياء الشهية؛ مزين بالعرض؛ ويسخرون من الذين آمنوا : عطف على "زين"؛ وإيثار صيغة الاستقبال للدلالة [ ص: 214 ] على استمرار السخرية منهم؛ وهم فقراء المؤمنين؛ كبلال؛ وعمار - رضي الله عنهم -؛ كانوا يسترذلونهم ويستهزئون بهم على رفضهم الدنيا؛ وإقبالهم على العقبى؛ و"من": ابتدائية؛ فكأنهم جعلوا السخرية مبتدأة منهم؛ وصهيب والذين اتقوا ؛ هم الذين آمنوا بعينهم؛ وإنما ذكروا بعنوان التقوى للإيذان بأن إعراضهم عن الدنيا للاتقاء عنها؛ لكونها مخلة بتبتلهم إلى جناب القدس؛ شاغلة عنه؛ فوقهم يوم القيامة ؛ لأنهم في أعلى عليين؛ وهم في أسفل سافلين؛ أو لأنهم في أوج الكرامة؛ وهم في حضيض الذل والمهانة؛ أو لأنهم يتطاولون عليهم في الآخرة؛ فيسخرون منهم كما سخروا منهم في الدنيا؛ والجملة معطوفة على ما قبلها؛ وإيثار الاسمية للدلالة على دوام مضمونها؛ والله يرزق من يشاء ؛ أي: في الدارين؛ بغير حساب ؛ بغير تقدير؛ فيوسع في الدنيا استدراجا تارة؛ وابتلاء أخرى.