[ ص: 58 ] لقد أنزلنا إليكم كتابا فيه ذكركم أفلا تعقلون
لقد أنزلنا إليكم كلام مستأنف مسوق لتحقيق حقية القرآن العظيم الذي ذكر في صدر السورة الكريمة إعراض الناس عما يأتيهم من آياته واستهزاؤهم به وتسميتهم تارة سحرا أو تارة أضغاث أحلام وأخرى مفترى وشعرا ، وبيان علو رتبته إثر تحقيق رسالته صلى الله عليه وسلم ببيان أنه كسائر الرسل الكرام عليهم الصلاة والسلام قد صدر بالتوكيد القسمي إظهارا لمزيد الاعتناء بمضمونه وإيذانا بكون المخاطبين في أقصى مراتب النكير ، أي : والله لقد أنزلنا إليكم يا معشر قريش كتابا عظيم الشأن نير البرهان .
وقوله تعالى : فيه ذكركم صفة لـ "كتابا" مؤكدة لما أفاده التنكير التفخيمي من كونه جليل المقدار بأنه جميل الآثار مستجلب لهم منافع جليلة ، أي : فيه شرفكم وصيتكم ، كقوله تعالى : وإنه لذكر لك ولقومك . وقيل : ما تحتاجون إليه في أمور دينكم ودنياكم ، وقيل : ما تطلبون به حسن الذكر من مكارم الأخلاق ، وقيل : فيه موعظتكم ، وهو الأنسب بسباق النظم الكريم وسياقه ، فإن قوله تعالى : أفلا تعقلون إنكار توبيخي فيه بعث لهم على التدبر في أمر الكتاب والتأمل فيما في تضاعيفه من فنون المواعظ والزواجر التي من جملتها القوارع السابقة واللاحقة . والفاء للعطف على مقدر ينسحب عليه الكلام ، أي : ألا تتفكرون فلا تعقلون أن الأمر كذلك ، أو لا تعقلون شيئا من الأشياء التي من جملتها ما ذكر .