الملك يومئذ لله يحكم بينهم فالذين آمنوا وعملوا الصالحات في جنات النعيم
الملك أي : السلطان القاهر ، والاستيلاء التام ، والتصرف على الإطلاق . يومئذ لله وحده بلا شريك أصلا بحيث لا يكون فيه لأحد تصرف من التصرفات في أمر من الأمور لا حقيقة ولا مجازا ولا صورة ولا معنى كما في الدنيا ، فإن للبعض فيها تصرفا صوريا في الجملة ، وليس التنوين نائبا عما تدل عليه الغاية من زوال مريتهم كما قيل ، ولا عما يستلزمه ذلك من ايمانهم كما قيل ، لما أن القيد المعتبر مع اليوم حيث وسط بين طرفي الجملة يجب أن يكون مدارا لحكمها ، أعني : كون الملك لله عز وجل وما يتفرع عليه من الإثابة والتعذيب ، ولا ريب في أن إيمانهم أو زوال مريتهم ليس مما له تعلق ما بما ذكر فضلا عن المدارية له فلا سبيل إلى اعتبار شيء منهما مع اليوم قطعا ، وإنما الذي يدور عليه ما ذكر إتيان الساعة التي هي منتهى تصرفات الخلق ومبدأ ظهور أحكام الملك الحق جل جلاله . فإذن هو نائب عن نفس الجملة الواقعة غاية لمريتهم ، فالمعنى : الملك يوم إذ تأتيهم الساعة أو عذابها لله تعالى .
وقوله تعالى : يحكم بينهم جملة مستأنفة وقعت جوابا عن سؤال نشأ من الإخبار بكون الملك يومئذ لله ، كأنه قيل : فماذا يصنع بهم حينئذ ؟ فقيل : يحكم بين فريقي المؤمنين به والممارين فيه بالمجازاة .
وقوله تعالى : فالذين آمنوا إلخ تفسير للحكم المذكور وتفصيل له ، أي : فالذين آمنوا بالقرآن الكريم ولم يماروا فيه وعملوا الصالحات امتثالا بما أمروا في تضاعيفه في جنات النعيم أي : مستقرون فيها .