وجاهدوا في الله حق جهاده هو اجتباكم وما جعل عليكم في الدين من حرج ملة أبيكم إبراهيم هو سماكم المسلمين من قبل وفي هذا ليكون الرسول شهيدا عليكم وتكونوا شهداء على الناس فأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واعتصموا بالله هو مولاكم فنعم المولى ونعم النصير
وجاهدوا في الله أي : لله تعالى ولأجله أعداء دينه الظاهرة كأهل الزيغ والباطنة كالهوى والنفس ، وعنه صلى الله عليه وسلم أنه رجع من غزوة تبوك فقال : رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر . حق جهاده أي : جهادا فيه حقا خالصا لوجهه ، فعكس وأضيف الحق إلى الجهاد مبالغة كقولك : هو حق عالم ، وأضيف الجهاد إلى الضمير اتساعا أو لأنه مختص به تعالى من حيث أنه مفعول لوجهه ومن أجله .
هو اجتباكم أي : هو اختاركم لدينه ونصرته لا غيره وفيه تنبيه على ما يقتضي الجهاد ويدعو إليه . وما جعل عليكم في الدين من حرج أي : ضيق بتكليف ما يشق عليكم إقامته إشارة إلى أنه لا مانع لهم عنه ولا عذر لهم في تركه ، أو إلى الرخصة في إغفال بعض ما أمرهم به حيث يشق عليهم لقوله صلى الله عليه وسلم : . وقيل : ذلك بأن جعل لهم من كل ذنب مخرجا بأن رخص لهم في المضايق وفتح لهم باب التوبة وشرع لهم الكفارات في حقوقه والأروش والديات في حقوق العباد . "إذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم"
ملة أبيكم إبراهيم نصب على المصدر بفعل دل عليه مضمون ما قبله بحذف المضاف ، أي : وسع عليكم دينكم توسعة ملة أبيكم ، أو على الإغراء ، أو على الاختصاص . وإنما جعله أباهم لأنه أبو رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو كالأب لأمته ، من حيث أنه سبب لحياتهم الأبدية ووجودهم على الوجه المعتد به في الآخرة ، أو لأن أكثر العرب كانوا من ذريته صلى الله عليه وسلم فغلبوا على غيرهم . هو سماكم المسلمين من قبل في الكتب المتقدمة وفي هذا أي : في القرآن ، والضمير لله تعالى ، ويؤيده أنه قرئ : "الله سماكم" ، أو لإبراهيم . وتسميتهم بالمسلمين في القرآن وإن لم تكن منه صلى الله عليه وسلم كانت بسبب تسميته من قبل في قوله : ومن ذريتنا أمة مسلمة لك . وقيل : "وفي هذا" تقديره : وفي هذا بيان تسميته إياكم المسلمين .
ليكون الرسول يوم القيامة متعلق بسماكم شهيدا عليكم بأنه بلغكم ، فيدل على قبول شهادته لنفسه اعتمادا على عصمته ، أو بطاعة من أطاع وعصيان من عصى . وتكونوا شهداء على الناس بتبليغ الرسل إليهم .
فأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة أي : فتقربوا إلى الله بأنواع الطاعات ، وتخصيصهما بالذكر لإنافتهما وفضلهما . واعتصموا بالله أي : ثقوا به في مجامع أموركم ولا تطلبوا الإعانة والنصرة إلا منه . هو مولاكم ناصركم ومتولي أموركم .
فنعم المولى ونعم النصير هو إذ لا مثل له في الولاية والنصرة ، [ ص: 123 ] بل لا ولي ولا نصير في الحقيقة سواه عز وجل .
عن النبي صلى الله عليه وسلم : "من قرأ سورة الحج أعطي من الأجر كحجة حجها وعمرة اعتمرها بعدد من حج واعتمر فيما مضى وفيما بقى" .