ربنا لا تزغ قلوبنا من تمام مقالة الراسخين، أي: لا تزغ قلوبنا عن نهج الحق إلى اتباع المتشابه بتأويل لا ترتضيه، قال صلى الله عليه وسلم: وقيل: معناه: لا تبلنا ببلايا تزيغ فيها قلوبنا. "قلب ابن آدم بين أصبعين من أصابع الرحمن إن شاء أقامه على الحق وإن شاء أزاغه عنه".
بعد إذ هديتنا أي: إلى الحق والتأويل الصحيح، أو إلى الإيمان بالقسمين. و"بعد" نصب ب "لا تزغ" على الظرف، و "إذ" في محل الجر بإضافته إليه خارجا من الظرفية، أي: بعد وقت هدايتك إيانا وقيل: إنه بمعنى أن.
وهب لنا من لدنك كلا الجارين متعلق بـ "هب"، وتقديم الأول لما مر مرارا، ويجوز تعلق الثاني بمحذوف هو حال من المفعول، أي: كائنة من لدنك، و "من" لابتداء الغاية المجازية، و"لدن" في الأصل ظرف بمعنى أول غاية زمان أو مكان أو غيرهما من الذوات، نحو: "من لدن زيد"، وليست مرادفة لـ "عند" إذ قد تكون فضلة وكذا لدى، وبعضهم يخصها بظرف المكان، وتضاف إلى صريح الزمان كما في قوله:
تنتفض الرعدة في ظهيري ... من لدن الظهر إلى العصير
ولا تقطع عن الإضافة بحال، و أكثر ما تضاف إلى المفردات، وقد تضاف إلى أن وصلتها، كما في قوله:
ولم تقطع أصلا من لدن أن وليتنا ... قرابة ذي رحم ولا حق مسلم
أي: من لدن ولايتك إيانا، وقد تضاف إلى الجملة الاسمية كما في قوله:
تذكر نعماه لدن أنت يافع
وإلى الجملة الفعلية أيضا كما في قوله:
لزمنا لدن سالمتمونا وفاتكم ... فلا يك منكم للخلاف جنوح
وقلما تخلو عن "من" كما في البيتين الأخيرين.
رحمة واسعة، تزلفنا إليك ونفوز بها عندك أو توفيقا للثبات على الحق، وتأخير المفعول الصريح عن الجارين لما مر مرارا من الاعتناء بالمقدم، والتشويق إلى المؤخر، فإن ما حقه التقديم إذا أخر تبقى النفس مترقبة لوروده، لاسيما عند الإشعار بكونه من المنافع باللام، فإذا أورده يتمكن عندها فضل تمكن.
إنك أنت الوهاب تعليل للسؤال أو لإعطاء المسؤول، و "أنت" إما مبتدأ أو فصل أو تأكيد لاسم إن، و إطلاق الوهاب ليتناول كل موهوب، وفيه دلالة على أن الهدى والضلال من قبله تعالى، وأنه متفضل بما ينعم به على عباده من غير أن يجب عليه شيء .