ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يدعون إلى كتاب الله ليحكم بينهم ثم يتولى فريق منهم وهم معرضون
ألم تر تعجيب لرسول الله صلى الله عليه وسلم أو لكل من يتأتى منه الرؤية من حال أهل الكتاب وسوء صنيعهم، وتقرير لما سبق من أن اختلافهم في الإسلام إنما كان بعد ما جاءهم العلم بحقيته، أي: ألم تنظر. إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب أي: التوراة، على أن اللام للعهد، وحمله على جنس الكتب الإلهية تطويل للمسافة إذ تمام التقريب حينئذ بكون التوراة من جملتها، لأن مدار التشنيع والتعجيب إنما هو إعراضهم عن المحاكمة إلى ما دعوا إليه وهم لم يدعوا إلا إلى التوراة، والمراد بما أوتوه منها ما بين لهم فيها من العلوم والأحكام التي من جملتها ما علموه من نعوت النبي صلى الله عليه وسلم وحقية الإسلام والتعبير عنه بالنصيب للإشعار بكمال اختصاصه بهم وكونه حقا من حقوقهم التي يجب مراعاتها والعمل بموجبها، وما فيه من التنكير للتفخيم وحمله على التحقير لا يساعده مقام المبالغة في تقبيح حالهم. يدعون إلى كتاب الله الذي أوتوا نصيبا منه وهو التوراة، والإظهار في مقام الإضمار لإيجاب الإجابة وإضافته إلى الاسم الجليل لتشريفه وتأكيد وجوب المراجعة إليه، والجملة استئناف مبين لمحل التعجيب مبني على سؤال نشأ من صدر الكلام كأنه قيل: "ماذا يصنعون حتى ينظر إليهم"، فقيل: "يدعون إلى كتاب الله تعالى"، وقيل: حال من الموصول. ليحكم بينهم وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل مدارسهم فدعاهم إلى الإيمان، فقال له نعيم بن عمرو والحرث بن زيد : على أي دين أنت؟ قال عليه الصلاة والسلام: على ملة إبراهيم، قالا: إن إبراهيم كان يهوديا، فقال صلى الله عليه وسلم لهما: إن بيننا وبينكم التوراة فهلموا إليها، فأبيا. وقيل: نزلت في الرجم وقد اختلفوا فيه، وقيل: كتاب الله القرآن، فإنهم قد علموا أنه كتاب الله ولم يشكوا فيه. وقرئ "ليحكم" على بناء المجهول، فيكون الاختلاف بينهم بأن أسلم بعضهم وأضرابه وعاداهم الآخرون. كعبد الله بن سلام ثم يتولى فريق منهم استبعاد لتوليهم بعد علمهم بوجوب الرجوع إليه. وهم معرضون إما حال من فريق لتخصصه بالصفة، أي: يتولون من المجلس وهم معرضون بقلوبهم أو اعتراض، أي: وهم قوم ديدنهم الإعراض عن الحق والإصرار على الباطل.