قالت يا أيها الملأ إني ألقي إلي كتاب كريم
قالت أي : بعد ما ذهب الهدهد بالكتاب فألقاه إليهم وتنحى عنهم حسبما أمر به ، وإنما طوي ذكره إيذانا بكمال مسارعته إلى إقامة ما أمر به من الخدمة وإشعارا باستغنائه عن التصريح به لغاية ظهوره . روي أنه عليه الصلاة والسلام كتب كتابه وطبعه بالمسك وختمه بخاتمه ودفعه إلى الهدهد ، فوجدها الهدهد راقدة في قصرها بمأرب ، وكانت إذا رقدت غلقت الأبواب ووضعت المفاتيح تحت رأسها فدخل من كوة وطرح الكتاب على نحرها وهي مستلقية ، وقيل : نقرها فانتبهت فزعة ، وقيل : أتاها والقادة والجنود حواليها فرفرف ساعة والناس ينظرون حتى رفعت رأسها فألقى الكتاب على حجرها وكانت قارئة كاتبة عربية من نسل تبع الحميري كما مر ، فلما رأت الخاتم ارتعدت وخضعت فعند ذلك قالت لأشراف قومها يا أيها الملأ إني ألقي إلي كتاب كريم وصفته بالكرم لكرم مضمونه ، أو لكونه من عند ملك كريم ، أو لكونه مختوما ، أو لغرابة شأنه ووصوله إليها على منهاج غير معتاد .