إن الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين
إن الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين لما بين الله تعالى أن الدين المرضي عنده هو الإسلام والتوحيد وأن اختلاف أهل الكتابين فيه إنما هو للبغي والحسد وأن الفوز برضوانه و مغفرته و رحمته منوط باتباع الرسول صلى الله عليه وسلم وطاعته شرع في تحقيق رسالته وكونه من أهل بيت النبوة القديمة، فبدأ ببيان جلالة أقدار الرسل عليهم الصلاة والسلام كافة وأتبعه ذكر مبدإ أمر عيسى عليه الصلاة والسلام وأمه وكيفية دعوته للناس إلى التوحيد والإسلام تحقيقا للحق وإبطالا لما عليه أهل الكتابين في شأنهما من الإفراط والتفريط ثم بين بطلان محاجتهم في إبراهيم عليه الصلاة والسلام و ادعائهم الانتماء إلى ملته ونزه ساحته العلية عما هم عليه من اليهودية والنصرانية، ثم نص على أن جميع الرسل عليهم الصلاة والسلام دعاة إلى عبادة الله عز وجل وحده وطاعته منزهون عن احتمال الدعوة إلى عبادة [ ص: 26 ] أنفسهم أو غيرهم من الملائكة والنبيين وأن أممهم قاطبة مأمورون بالإيمان بمن جاءهم من رسول مصدق لما معهم تحقيقا لوجوب الإيمان برسول الله صلى الله عليه وسلم وكتابه المصدق لما بين يديه من التوراة والإنجيل وتحتم الطاعة له حسبما سيأتي تفصيله، وتخصيص آدم عليه الصلاة والسلام بالذكر لأنه أبو البشر ومنشأ النبوة وكذا حال نوح عليه السلام فإنه آدم الثاني، وأما ذكر آل إبراهيم فلترغيب المعترفين باصطفائهم في الإيمان بنبوة النبي صلى الله عليه وسلم واستمالتهم نحو الاعتراف باصطفائه بواسطة كونه من زمرتهم مع ما مر من التنبيه على كونه عليه الصلاة والسلام عريقا في النبوة من زمرة المصطفين الأخيار، وأما ذكر آل عمران مع اندراجهم في آل إبراهيم فلإظهار مزيد الاعتناء بتحقيق أمر عيسى عليه الصلاة والسلام لكمال رسوخ الخلاف في شأنه، فإن نسبة الاصطفاء إلى الأب الأقرب أدل على تحققه في الآل وهو الداعي إلى إضافة الآل إلى إبراهيم دون نوح وآدم عليهم الصلاة والسلام، و "الاصطفاء": أخذ ما صفا من الشيء كالاستصفاء مثل به اختياره تعالى إياهم النفوس القدسية وما يليق بها من الملكات الروحانية والكمالات الجسمانية المستتبعة للرسالة في نفس المصطفى كما في كافة الرسل عليهم الصلاة والسلام أو فيمن يلابسه وينشأ منه كما في مريم. وقيل: اصطفى آدم عليه الصلاة والسلام بأن خلقه بيده في أحسن تقويم وبتعليم الأسماء وإسجاد الملائكة إياه وإسكان الجنة، واصطفى نوحا عليه الصلاة والسلام بكونه أول من نسخ الشرائع; إذ لم يكن قبل ذلك حراما وبإطالة عمره وجعل ذريته هم الباقين واستجابة دعوته في حق الكفرة والمؤمنين وحمله على متن الماء، و المراد بآل تزويج المحارم إبراهيم: إسماعيل( وإسحق والأنبياء من أولادهما الذين من جملتهم النبي صلى الله عليه وسلم، وأما اصطفاء نفسه عليه الصلاة والسلام فمفهوم من اصطفائهم بطريق الأولوية وعدم التصريح به للإيذان بالغنى عنه لكمال شهرة أمره في الخلة وكونه إمام الأنبياء قدوة الرسل عليهم الصلاة والسلام وكون اصطفاء آله بدعوته بقوله: ربنا وابعث فيهم رسولا منهم الآية. ولذلك قال عليه الصلاة والسلام: إبراهيم، و بآل عمران أنا دعوة أبي عيسى وأمه مريم ابنة عمران بن ماثان بن عازار بن أبي بور بن رب بابل بن ساليان بن يوحنا بن يوشيا بن أمون بن منشا بن حزقيا بن أحز بن يوثم بن عزياهو بن يهورام بن يهوشافاط بن أسا بن رحبعم بن سليمان بن داود عليهما الصلاة والسلام ابن بيشا بن عوفيذ بن بوعز بن سلمون بن نحشون بن عميوذب بن رم بن حصرون بن بارص بن يهوذا بن يعقوب عليه الصلاة والسلام وقيل: موسى وهرون عليهما الصلاة والسلام ابنا عمران بن يصهر بن قاهث بن لاوى بن يعقوب عليه الصلاة والسلام، وبين العمرانين ألف وثمانمائة سنة فيكون اصطفاء عيسى عليه الصلاة والسلام حينئذ بالاندراج في آل إبراهيم عليه السلام، و الأول هو الأظهر بدليل تعقيبه بقصة مريم واصطفاء موسى وهارون عليهما الصلاة والسلام بالانتظام في سلك آل إبراهيم عليه السلام انتظاما ظاهرا، والمراد بـ "العالمين": أهل زمان كل واحد منهم، أي: اصطفى كل واحد منهم على عالمي زمانه.