هنالك دعا زكريا ربه قال رب هب لي من لدنك ذرية طيبة إنك سميع الدعاء
هنالك كلام مستأنف وقصة مستقلة سيقت في تضاعيف [ ص: 31 ] حكاية مريم لما بينهما من قوة الارتباط وشدة الاشتباك مع ما في إيرادها من تقرير ما سيقت له حكايتها من بيان اصطفاء آل عمران، فإن فضائل بعض الأقرباء أدلة على فضائل الآخرين، و "هنا" ظرف مكان و "اللام" للدلالة على البعد و "الكاف" للخطاب، أي: في ذلك المكان حيث هو قاعد عند مريم في المحراب أو في ذلك الوقت إذ يستعار "هنا" و "ثمة" و "حيث" للزمان. دعا زكريا ربه لما رأى كرامة مريم على الله ومنزلتها منه تعالى رغب في أن يكون له من إيشاع ولد مثل ولد حنة في النجابة والكرامة على الله تعالى و إن كانت عاقرا عجوزا فقد كانت حنة كذلك. وقيل: لما رأى الفواكه في غير إبانها تنبه لجواز ولادة العجوز العاقر من الشيخ الفاني، فأقبل على الدعاء من غير تأخير، كما ينبئ عنه تقديم الظرف على الفعل لا على معنى أن ذلك كان هو الموجب للإقبال على الدعاء فقط بل كان جزءا أخيرا من العلة التامة التي من جملتها كبر سنه عليه الصلاة والسلام و ضعف قواه وخوف مواليه حسبما فصل في سورة مريم. قال تفسير للدعاء وبيان لكيفيته، لا محل له من الإعراب. رب هب لي من لدنك كلا الجارين متعلق بهب لاختلاف معنييهما، فـ"اللام" صلة له و "من" لابتداء الغاية مجازا، أي: أعطني من محض قدرتك من غير وسط معتاد. ذرية طيبة كما وهبتها لحنة، و يجوز أن يتعلق "من" بمحذوف وقع حالا من "ذرية"، أي: كائنة من لدنك، و "الذرية": النسل، تقع على الواحد والجمع والذكر والأنثى، و المراد ههنا: ولد واحد فالتأنيث في الصفة لتأنيث لفظ الموصوف، كما في قول من قال: أبوك خليفة ولدته أخرى ... وأنت خليفة ذاك الكمال
وهذا إذا لم يقصد به واحد معين، أما إذا قصد به المعين امتنع اعتبار اللفظ نحو: طلحة وحمزة، فلا يجوز أن يقال جاءت طلحة وذهبت حمزة. إنك سميع الدعاء أي: مجيبه، و هو تعليل لما قبله وتحريك لسلسلة الإجابة.