قل إنما أعظكم بواحدة أن تقوموا لله مثنى وفرادى ثم تتفكروا ما بصاحبكم من جنة إن هو إلا نذير لكم بين يدي عذاب شديد
قل إنما أعظكم بواحدة أي: ما أرشدكم وأنصح لكم إلا بخصلة واحدة هي ما دل عليه قوله تعالى: أن تقوموا لله على أنه بدل منها، أو بيان لها، أو خبر مبتدأ محذوف، أي: هي أن تقوموا من مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو تنتصبوا للأمر خالصا لوجه الله تعالى معرضا عن المماراة والتقليد. مثنى وفرادى أي: متفرقين اثنين اثنين وواحدا واحدا. فإن الازدحام يشوش الأفهام، ويخلط الأفكار بالأوهام. وفي تقديم مثنى إيذان بأنه أوثق، وأقرب إلى الاطمئنان. [ ص: 139 ] ثم تتفكروا في أمره صلى الله عليه وسلم، وما جاء به لتعلموا حقيقته وحقيته، وقوله تعالى: ما بصاحبكم من جنة استئناف مسوق من جهته تعالى للتنبيه على طريقة النظر والتأمل، بأن مثل هذا الأمر العظيم الذي تحته ملك الدنيا والآخرة لا يتصدى لادعائه إلا مجنون، لا يبالي بافتضاحه عند مطالبته بالبرهان، وظهور عجزه، أو مؤيد من عند الله مرشح للنبوة، واثق بحجته وبرهانه، وإذ قد علمتم أنه صلى الله عليه وسلم أرجح العالمين عقلا، وأصدقهم قولا، وأنزههم نفسا، وأفضلهم علما، وأحسنهم عملا، وأجمعهم للكمالات البشرية، وجب أن تصدقوه في دعواه. فكيف وقد انضم إلى ذلك معجزات تخر لها صم الجبال؟ ويجوز أن يتعلق بما قبله على معنى "ثم تتفكروا فتعلموا ما بصاحبكم من جنة"، وقد جوز أن تكون "ما" استفهامية على معنى "ثم تتفكروا" أي شيء به من آثار الجنون. إن هو إلا نذير لكم بين يدي عذاب شديد هو عذاب الآخرة فإنه صلى الله عليه وسلم مبعوث في نسم الساعة.