وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم ولولا فضل الله عليكم ورحمته لاتبعتم الشيطان إلا قليلا
وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به يقال: أذاع السر وأذاع به أي: أشاعه وأفشاه. وقيل: معنى أذاعوا به فعلوا به الإذاعة وهو أبلغ من أذاعوه ، وهو كلام مسوق لدفع ما عسى يتوهم في بعض المواد من شائبة الاختلاف بناء على عدم فهم المراد ببيان أن ذلك لعدم وقوفهم على معنى الكلام لا لتخلف مدلوله عنه وذلك أن ناسا من ضعفة المسلمين الذين لا خبرة لهم بالأحوال كانوا إذا أخبرهم الرسول صلى الله عليه وسلم بما أوحي إليه من وعد بالظفر أو تخويف من الكفرة يذيعونه من غير فهم لمعناه ولا ضبط لفحواه على حسب ما كانوا يفهمونه ويحملونه عليه من المحامل، وعلى تقدير الفهم قد يكون ذلك مشروطا بأمور تفوت بالإذاعة فلا يظهر أثره المتوقع فيكون ذلك منشأ لتوهم الاختلاف فنعى عليهم ذلك، وقيل: ولو ردوه أي: ذلك الأمر الذي جاءهم. إلى الرسول أي: عرضوه على رأيه صلى الله عليه وسلم مستكشفين لمعناه وما ينبغي له من التدبير والالتفات لما أن عنوان الرسالة من موجبات الرد والمراجعة إلى رأيه صلى الله عليه وسلم. وإلى أولي الأمر منهم وهم كبراء الصحابة البصراء في الأمور رضي الله تعالى عنهم. لعلمه أي: لعلم الرادون معناه وتدبيره وإنما وضع موضع ضميرهم الموصول فقيل: الذين يستنبطونه منهم للإيذان بأنه ينبغي أن يكون قصدهم برده إليهم استكشاف معناه واستيضاح فحواه، أي: لعلمه أولئك الرادون الذين يستنبطونه أى يتلقونه ويستخرجون علمه وتدبيره منهم أي: من جهة الرسول صلى الله عليه وسلم وأولي الأمر من صحابته رضوان الله عليهم أجمعين، ولما فعلوا في حقه ما فعلوا فلم يقع ما وقع من الاشتباه وتوهم الاختلاف. وقيل: لعلمه الذين يستخرجون تدبيره بفطنهم وتجاربهم ومعرفتهم بأمور الحرب ومكايدها فكلمة "من" في "منهم" بيانية. وقيل: إنهم كانوا إذا بلغهم خبر عن سرايا رسول الله صلى الله عليه وسلم من أمن وسلامة أو خوف وخلل أذاعوا به وكانت إذاعتهم مفسدة ولو ردوا ذلك الخبر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وإلى أولي الأمر لعلم تدبير ما أخبروا به الذين يستنبطونه أى يستخرجون تدبيره بفطنهم وتجاربهم ومعرفتهم بأمور الحرب ومكايدها وقيل: [ ص: 209 ] كانوا يقفون من رسول الله صلى الله عليه وسلم وأولي الأمر على أمن ووثوق بالظهور على بعض الأعداء أو على خوف فيذيعونه فينتشر فيبلغ الأعداء فتعود إذاعتهم مفسدة ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر وفوضوه إليهم وكانوا كأن لم يسمعوا لعلم الذين يستنبطون تدبيره كيف يدبرونه وما يأتون وما يذرون فيه. وقيل: كانوا يسمعون من أفواه المنافقين شيئا من الخبر عن السرايا مظنونا غير معلوم الصحة فيذيعونه فيعود ذلك وبالا على المؤمنين ولو ردوه إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وإلى أولي الأمر وقالوا: نسكت حتى نسمعه منهم ونعلم هل هو مما يذاع أو لا يذاع لعلم صحته وهل مما يذاع أو لا يذاع هؤلاء المذيعون وهم الذين يستنبطونه من الرسول وأولي الأمر أي: يتلقونه منهم ويستخرجون علمه من جهتهم فمساق النظم الكريم حينئذ لبيان جناية تلك الطائفة وسوء تدبيرهم إثر بيان جناية المنافقين ومكرهم والخطاب في قوله تعالى: ولولا فضل الله عليكم ورحمته للطائفة المذكورة على طريقة الالتفات أي: لولا فضله تعالى عليكم ورحمته بإرشادكم إلى طريق الحق الذي هو المراجعة في مظان الاشتباه إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وأولي الأمر. لاتبعتم الشيطان وعملتم بآراء المنافقين فيما تأتون وما تذرون ولم تهتدوا إلى سنن الصواب. إلا قليلا وهم أولو الأمر الواقفون على أسرار الكتاب الراسخون في معرفة أحكامه، فالاستثناء منقطع. وقيل: ولولا فضله تعالى عليكم ورحمته بإرسال الرسول وإنزال الكتاب لاتبعتم الشيطان وبقيتم على الكفر والضلالة إلا قليلا منكم قد تفضل عليه بعقل راجح اهتدى به إلى طريق الحق والصواب وعصمه من متابعة الشيطان كقس بن ساعدة الإيادي وزيد بن عمرو بن نفيل وورقة بن نوفل وأضرابهم فالخطاب للكل والاستثناء متصل. وقيل: المراد بالفضل والرحمة: النصرة والظفر بالأعداء أى: ولولا حصول النصر والظفر على التواتر والتتابع لاتبعتم الشيطان وتركتم الدين إلا قليلا منكم وهم أولو البصائر الناقدة والنيات القوية والعزائم الماضية من أفاضل المؤمنين الواقفين على حقية الدين البالغين إلى درجة حق اليقين المستغنين عن مشاهدة آثار حقيته من الفتح والظفر. وقيل: إلا اتباعا قليلا.