وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطأ ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله إلا أن يصدقوا فإن كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن فتحرير رقبة مؤمنة وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق فدية مسلمة إلى أهله وتحرير رقبة مؤمنة فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين توبة من الله وكان الله عليما حكيما
وما كان لمؤمن أي: وما صح له ولا لاق بحاله. أن يقتل مؤمنا بغير حق فإن الإيمان زاجر عن ذلك. إلا خطأ فإنه ربما يقع لعدم دخول الاحتراز عنه بالكلية تحت الطاقة البشرية، وانتصابه إما على أنه حال أي: وما كان له أن يقتل مؤمنا في حال من الأحوال إلا في حال الخطإ، أو على أنه مفعول له أي: وما كان له أن يقتله لعلة من العلل إلا للخطإ أو على أنه صفة للمصدر أي: إلا قتلا خطأ. وقيل: "إلا" بمعنى ولا، والتقدير: وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا عمدا ولا خطأ. وقيل: ما كان نفي في معنى النهي والاستثناء منقطع أي: لكن إن قتله خطأ فجزاؤه ما يذكر والخطأ ما لا يقارنه القصد إلى الفعل أو إلى الشخص أو لا يقصد به زهوق الروح غالبا أو لا يقصد به محظور كرمي مسلم في صف الكفار مع الجهل بإسلامه، وقرئ "خطاء" بالمد، و"خطا" كعصا بتخفيف الهمزة. روي أن عياش بن أبي ربيعة وكان أخا أبي جهل لأمه أسلم وهاجر إلى المدينة خوفا من أهله وذلك قبل هجرة النبي صلى الله عليه وسلم فأقسمت أمه لا تأكل ولا تشرب ولا يأويها سقف حتى يرجع، فخرج أبو جهل ومعه الحرث بن زيد بن أبي أنيسة فأتياه وهو في أطم ففتل منه أبو جهل في الذروة والغارب، وقال: أليس محمد يحثك على صلة الرحم انصرف وبر أمك وأنت على دينك حتى نزل وذهب معهما فلما فسحا من المدينة كتفاه وجلده فقال للحرث: هذا أخي فمن أنت يا حرث؟ لله علي إن وجدتك خاليا أن أقتلك وقدما به على أمه فحلفت لا يحل كتافه أو يرتد ففعل بلسانه ثم هاجر بعد ذلك وأسلم الحرث وهاجر فلقيه عياش بظهر قباء ولم يشعر بإسلامه فأنحى عليه فقتله ثم أخبر بإسلامه فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: قتلته ولم أشعر بإسلامه فنزلت. ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة أي: فعليه أو فموجبه تحرير رقبة، أي: إعتاق نسمة عبر عنها بها كما يعبر عنها بالرأس. مؤمنة أى محكوما بإسلامها وإن كانت صغيرة. ودية مسلمة إلى أهله مؤداة إلى ورثته يقتسمونها كسائر المواريث لقول ضحاك بن سفيان الكلابي: كتب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرني أن أورث امرأة أشيم الضبابي من عقل زوجها. إلا أن يصدقوا أي: إلا أن يتصدق أهله عليه، سمي العفو عنها صدقة حثا عليه وتنبيها على فضله، وعن النبي صلى الله عليه وسلم وقرئ "إلا أن يتصدقوا" وهو متعلق بـ"عليه" أو بـ"مسلمة" أي: تجب الدية أو يسلمها إلى أهله إلا وقت تصدقهم عليه فهو في محل النصب على الظرفية أو إلا حال كونهم متصدقين عليه فهو حال من الأهل أو القاتل. "كل معروف صدقة"، فإن كان أي: المقتول. من قوم عدو لكم كفار محاربين. وهو مؤمن ولم يعلم به القاتل لكونه بين أظهر قومه [ ص: 216 ] بأن أسلم فيما بينهم ولم يفارقهم أو بأن أتاهم بعد ما فارقهم لمهم من المهمات. فتحرير رقبة مؤمنة أي: فعلى قاتله الكفارة دون الدية إذ لا وراثة بينه وبين أهله لأنهم محاربون. وإن كان أي: المقتول المؤمن. من قوم كفرة. بينكم وبينهم ميثاق أي: عهد مؤقت أو مؤبد. فدية أي: فعلى قاتله دية. مسلمة إلى أهله من أهل الإسلام إن وجدوا، ولعل تقديم هذا الحكم ههنا مع تأخيره فيما سلف للإشعار بالمسارعة إلى تسليم الدية تحاشيا عن توهم نقض الميثاق. وتحرير رقبة مؤمنة كما هو حكم سائر المسلمين ولعل إفراده بالذكر مع اندراجه في حكم ما سبق من قوله تعالى: ومن قتل مؤمنا خطأ إلخ لبيان أن كونه فيما بين المعاهدين لا يمنع وجوب الدية كما منعه كونه فيما بين المحاربين. وقيل: المراد بالمقتول: الذمي أو المعاهد لئلا يلزم التكرار بلا فائدة ولا التوريث بين المسلم والكافر وقد عرفت عدم لزومها. فمن لم يجد أي: رقبة ليحررها بأن لم يملكها ولا ما يتوصل به إليها من الثمن. فصيام أي: فعليه صيام. شهرين متتابعين لم يتخلل بين يومين من أيامهما إفطار. توبة نصب على أنه مفعول له أي: شرع لكم ذلك توبة، أي: قبولا لها من تاب الله عليه إذا قبل توبته أو مصدر مؤكد لفعل محذوف، أي: تاب عليكم توبة. وقيل: على أنه حال من الضمير المجرور في "عليه" بحذف المضاف أي: فعليه صيام شهرين ذا توبة. وقوله تعالى: من الله متعلق بمحذوف وقع صفة لـ"توبة" أي: كائنة منه تعالى. وكان الله عليما بجميع الأشياء التي من جملتها حاله. حكيما في كل ما شرع وقضى من الشرائع والأحكام التي من جملتها ما شرعه في شأنه.