وإذ قال موسى لقومه يا قوم اذكروا نعمة الله عليكم إذ جعل فيكم أنبياء وجعلكم ملوكا وآتاكم ما لم يؤت أحدا من العالمين
وإذ قال موسى لقومه جملة مستأنفة مسوقة لبيان ما فعلت بنو إسرائيل بعد أخذ الميثاق منهم ، وتفصيل كيفية نقضهم له وتعلقه بما قبله ، من حيث إن ما ذكر فيه من الأمور التي وصف النبي صلى الله عليه وسلم ببيانها ، ومن حيث اشتماله على انتفاء فترة الرسل فيما بينهم . و" إذ " نصب على أنه مفعول لفعل مقدر خوطب به النبي صلى الله عليه وسلم ، بطريق تلوين الخطاب وصرفه عن أهل الكتاب ، ليعدد عليهم ما صدر عن بعضهم من الجنايات ; أي : واذكر لهم وقت قول موسى لقومه ناصحا لهم ، ومستميلا لهم بإضافتهم إليه .
يا قوم اذكروا نعمة الله عليكم وتوجيه الأمر بالذكر إلى الوقت دون ما وقع فيه من الحوادث ، مع أنها المقصودة بالذات للمبالغة في إيجاب ذكرها ، لما أن إيجاب ذكر الوقت إيجاب لذكر ما وقع فيه بالطريق البرهاني ، ولأن الوقت مشتمل على ما وقع فيه تفصيلا ، فإذا استحضر كان ما وقع فيه حاضرا بتفاصيله ، كأنه مشاهد عيانا . و" عليكم " متعلق بنفس النعمة إذا جعلت مصدرا ، وبمحذوف وقع حالا منها إذا جعلت اسما ; أي : اذكروا إنعامه عليكم ، أو اذكروا نعمته كائنة عليكم ، وكذا " إذ " في قوله تعالى : إذ جعل فيكم أنبياء ; أي : اذكروا إنعامه تعالى عليكم في وقت جعله ، أو اذكروا نعمته تعالى كائنة عليكم في وقت جعله فيما بينكم من أقربائكم أنبياء ، ذوي عدد كثير وأولي شأن خطير ، حيث لم يبعث من أمة من الأمم ما بعث من بني إسرائيل من الأنبياء .
وجعلكم ملوكا عطف على جعل فيكم داخل في حكمه ; أي : جعل فيكم أو منكم ملوكا كثيرة ، فإنه قد تكاثر فيهم الملوك تكاثر الأنبياء ، وإنما حذف الظرف تعويلا على ظهور الأمر ، أو جعل الكل في مقام الامتنان عليهم ملوكا ، لما أن أقارب الملوك يقولون [ ص: 23 ] عند المفاخرة : نحن الملوك ، وإنما لم يسلك ذلك المسلك فيما قبله ، لما أن منصب النبوة من عظم الخطر ، وعزة المطلب ، وصعوبة المنال ، ليس بحيث يليق أن ينسب إليه ولو مجازا من ليس ممن اصطفاه الله تعالى له .
وقيل : كانوا مملوكين في أيدي القبط فأنقذهم الله تعالى ، فسمى إنقاذهم ملكا . وقيل : الملك : من له مسكن واسع فيه ماء جار . وقيل : من له بيت وخدم . وقيل : من له مال لا يحتاج معه إلى تكلف الأعمال وتحمل المشاق .
وآتاكم ما لم يؤت أحدا من العالمين من فلق البحر ، وإغراق العدو ، وتظليل الغمام ، وإنزال المن والسلوى ، وغير ذلك مما آتاهم الله تعالى من الأمور العظام ، والمراد بالعالمين : الأمم الخالية إلى زمانهم ، وقيل : من عالمي زمانهم .