فبعث الله غرابا يبحث في الأرض ليريه كيف يواري سوءة أخيه قال يا ويلتا أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب فأواري سوءة أخي فأصبح من النادمين
فبعث الله غرابا يبحث في الأرض ليريه كيف يواري سوءة أخيه روي أنه تعالى بعث غرابين فاقتتلا ، فقتل أحدهما الآخر ، فحفر له بمنقاره ورجليه حفرة فألقاه فيها ، والمستكن في يريه الله تعالى ، أو للغراب ، واللام على الأول متعلقة ببعث حتما ، وعلى الثاني بيبحث ، ويجوز تعلقها ببعث أيضا . و" كيف " حال من ضمير يواري ، والجملة ثاني مفعولي يري ، والمراد بسوأة أخيه : جسده الميت .
قال استئناف مبني على سؤال نشأ من سوق الكلام ، كأنه قيل : فماذا قال عند مشاهدة حال الغراب ؟
فقيل : قال : "يا ويلتى" هي كلمة جزع وتحسر ، والألف بدل من ياء المتكلم ، والمعنى : يا ويلتي احضري فهذا أوانك ، والويل والويلة : الهلكة .
أعجزت أن أكون ; أي : عن أن أكون .
مثل هذا الغراب فأواري سوءة أخي تعجب من عدم اهتدائه إلى ما اهتدى إليه الغراب . وقوله تعالى : " فأواري " بالنصب عطف على أن أكون . وقرئ بالرفع ; أي : فأنا أواري .
فأصبح من النادمين ; أي : على قتله لما كابد فيه من التحير في أمره ، وحمله على رقبته مدة طويلة . روي أنه لما قتله اسود جسده وكان أبيض ، فسأله آدم عن أخيه فقال : [ ص: 29 ] ما كنت عليه وكيلا . قال : بل قتلته ، ولذلك اسود جسدك ، ومكث آدم بعده مائة سنة لا يضحك . وقيل : لما قتل قابيل هابيل هرب إلى عدن من أرض اليمن ، فأتاه إبليس فقال له : إنما أكلت النار قربان هابيل ; لأنه كان يخدمها ويعبدها ، فإن عبدتها أيضا حصل مقصودك ، فبنى بيت نار فعبدها ، وهو أول من عبد النار .