وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول قالوا حسبنا ما وجدنا عليه آباءنا أولو كان آباؤهم لا يعلمون شيئا ولا يهتدون
وقوله عز وجل : وإذا قيل لهم ; أي : للذين عبر عنهم بأكثرهم على سبيل الهداية والإرشاد .
تعالوا إلى ما أنزل الله من الكتاب المبين للحلال والحرام .
وإلى الرسول الذي أنزل هو عليه لتقفوا على حقيقة الحال ، وتميزوا الحرام من الحلال .
قالوا حسبنا ما وجدنا عليه آباءنا بيان لعنادهم واستعصائهم على الهدى إلى الحق ، وانقيادهم للداعي إلى الضلال .
أولو كان آباؤهم لا يعقلون شيئا ولا يهتدون .
قيل : الواو للحال دخلت عليها الهمزة للإنكار والتعجيب ; أي : أحسبهم ذلك ، ولو كان آباؤهم جهلة ضالين .
وقيل : للعطف على شرطية أخرى مقدرة قبلها ، وهو الأظهر ، والتقدير : أحسبهم ذلك ، أو أيقولون هذا القول ، لو لم يكن آباؤهم لا يعقلون شيئا من الدين ، ولا يهتدون للصواب ، ولو كانوا لا يعلمون ... إلخ .
وكلتاهما في موقع الحال ; أي : أحسبهم ما وجدوا عليه آباءهم كائنين على كل حال مفروض ، وقد حذفت الأولى في الباب حذفا مطردا ; لدلالة الثانية عليها دلالة واضحة ، كيف لا وإن الشيء إذا تحقق عند المانع ، فلأن يتحقق عند عدمه أولى ، كما في قولك : أحسن إلى فلان وإن أساء إليك ; أي : أحسن إليه إن لم يسئ إليك وإن أساء ; أي : أحسن إليه كائنا على كل حال مفروض . وقد حذفت الأولى لدلالة الثانية عليها دلالة ظاهرة ; إذ الإحسان حيث أمر به عند المانع ، فلأن يؤمر به عند عدمه أولى .
وعلى هذا السر يدور ما في " إن ، ولو " الوصليتين من المبالغة والتأكيد ، وجواب " لو " محذوف لدلالة ما سبق عليه ; أي : لو كان آباؤهم لا يعلمون شيئا ولا يهتدون ، حسبهم ذلك ، أو يقولون ذلك . وما في " لو " من معنى الامتناع والاستبعاد ، إنما هو بالنظر إلى زعمهم لا إلى نفس الأمر ، وفائدته المبالغة في الإنكار والتعجيب ببيان أن ما قالوه موجب للإنكار والتعجيب ، إذا كان كون آبائهم جهلة ضالين في حيز الاحتمال البعيد ، فكيف إذا كان ذلك واقعا لا ريب فيه .
وقيل : مآل الوجهين واحد ; لأن الجملة المقدرة حال ، فكذا ما عطف عليها .
وأنت خبير بأن الحال على الوجه الأخير مجموع الجملتين لا الأخيرة فقط ، وأن الواو للعطف لا للحال ، وقد مر التحقيق في قوله تعالى : " أولو كان آباؤهم لا يعقلون شيئا ولا يهتدون " ; فتدبر .