ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو كذب بآياته إنه لا يفلح الظالمون [ ص: 119 ]
ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا بوصفهم النبي الموعود في الكتابين بخلاف أوصافه صلى الله عليه وسلم ، فإنه افتراء على الله سبحانه ، وبقولهم : الملائكة بنات الله ، وقولهم : هؤلاء شفعاؤنا عند الله ، ونحو ذلك ، وهو إنكار واستبعاد ، لأن يكون أحد أظلم ممن فعل ذلك ، أو مساويا له ، وإن كان سبك التركيب غير متعرض لإنكار المساواة ، ونفيها يشهد به العرف الفاشي والاستعمال المطرد ، فإنه إذا قيل : من أكرم من فلان ؟ أو لا أفضل من فلان ; فالمراد حتما : أنه أكرم من كل كريم ، وأفضل من كل فاضل ، ألا يرى إلى قوله عز وجل : لا جرم أنهم في الآخرة هم الأخسرون بعد قوله تعالى : ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا ... إلخ .
والسر في ذلك أن النسبة بين الشيئين إنما تتصور غالبا ، لا سيما في باب المغالبة بالتفاوت ، زيادة ونقصانا ، فإذا لم يكن أحدهما أزيد يتحقق النقصان لا محالة .
أو كذب بآياته كأن كذبوا بالقرآن الذي من جملته الآية الناطقة بأنهم يعرفونه صلى الله عليه وسلم ، كما يعرفون أبناءهم ، وبالمعجزات وسموها سحرا ، وحرفوا التوراة وغيروا نعوته صلى الله عليه وسلم ، فإن ذلك تكذيب بآياته تعالى .
وكلمة " أو " للإيذان بأن كلا من الافتراء والتكذيب وحده بالغ غاية الإفراط في الظلم ، فكيف وهم قد جمعوا بينهما ، فأثبتوا ما نفاه الله تعالى ، ونفوا ما أثبته ، قاتلهم الله أنى يؤفكون .
إنه الضمير للشأن ، ومدار وضعه موضعه ادعاء شهرته المغنية عن ذكره ، وفائدة تصدير الجملة به الإيذان بفخامة مضمونها مع ما فيه من زيادة تقريره في الذهن ، فإن الضمير لا يفهم منه من أول الأمر إلا شأن مبهم له خطر ، فيبقى الذهن مترقبا لما يعقبه ، فيتمكن عند وروده له فضل تمكن ، فكأنه قيل : إن الشأن الخطير هذا هو .
لا يفلح الظالمون ; أي : لا ينجون من مكروه ، ولا يفوزون بمطلوب ، وإذا كان حال الظالمين هذا ، فما ظنك بمن في الغاية القاصية من الظلم .