وهو الذي يتوفاكم بالليل ويعلم ما جرحتم بالنهار ثم يبعثكم فيه ليقضى أجل مسمى ثم إليه مرجعكم ثم ينبئكم بما كنتم تعملون
وهو الذي يتوفاكم بالليل ; أي : ينيمكم فيه ، على استعارة التوفي من الإماتة للإنامة ، لما بين الموت والنوم من المشاركة في زوال الإحساس والتمييز ، وأصله : قبض الشيء بتمامه .
ويعلم ما جرحتم بالنهار ; أي : ما كسبتم [ ص: 144 ] فيه ، والمراد بالليل والنهار : الجنس المتحقق في كل فرد من أفرادهما بالتوفي والبعث الموجدين فيها ، يتحقق قضاء الأجل المسمى المترتب عليها لا في بعضها .
والمراد بعلمه تعالى : ذلك علمه قبل الجرح ، كما يلوح به تقديم ذكره على البعث ; أي : يعلم ما تجرحون بالنهار ، وصيغة الماضي للدلالة على التحقق ، وتخصيص التوفي بالليل والجرح بالنهار مع تحقق كل منهما فيما خص بالآخر ، للجري على سنن العادة .
ثم يبعثكم فيه ; أي : يوقظكم في النهار ، عطف على " يتوفاكم " ، وتوسيط قوله تعالى : " ويعلم ... " إلخ بينهما ، لبيان ما في بعثهم من عظيم الإحسان إليهم ، بالتنبيه على أن ما يكتسبونه من السيئات مع كونها موجبة لإبقائهم على التوفي ، بل لإهلاكهم بالمرة ، يفيض عليهم الحياة ويمهلهم ، كما ينبئ عنه كلمة التراخي ، كأنه قيل : هو الذي يتوفاكم في جنس الليالي ، ثم يبعثكم في جنس النهار مع علمه بما ستجرحون فيها .
ليقضى أجل مسمى معين لكل فرد ، بحيث لا يكاد يتخطى أحد ما عين له طرفة عين .
ثم إليه مرجعكم ; أي : رجوعكم بالموت لا إلى غيره أصلا .
ثم ينبئكم بما كنتم تعملون بالمجازاة بأعمالكم التي كنتم تعملونها في تلك الليالي والأيام .
وقيل : الخطاب مخصوص بالكفرة ، والمعنى : أنكم ملقون كالجيف بالليل ، كاسبون للآثام بالنهار ، وأنه تعالى مطلع على أعمالكم ، يبعثكم الله من القبور في شأن ما قطعتم به أعماركم من النوم بالليل وكسب الآثام بالنهار ، ليقضى الأجل الذي سماه وضربه لبعث الموتى ، وجزائهم على أعمالهم ، وفيه ما لا يخفى من التكلف والإخلال ، لإفضائه إلى كون البعث معللا بقضاء الأجل المضروب له .