الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      وهو الذي يتوفاكم بالليل ويعلم ما جرحتم بالنهار ثم يبعثكم فيه ليقضى أجل مسمى ثم إليه مرجعكم ثم ينبئكم بما كنتم تعملون

                                                                                                                                                                                                                                      وهو الذي يتوفاكم بالليل ; أي : ينيمكم فيه ، على استعارة التوفي من الإماتة للإنامة ، لما بين الموت والنوم من المشاركة في زوال الإحساس والتمييز ، وأصله : قبض الشيء بتمامه .

                                                                                                                                                                                                                                      ويعلم ما جرحتم بالنهار ; أي : ما كسبتم [ ص: 144 ] فيه ، والمراد بالليل والنهار : الجنس المتحقق في كل فرد من أفرادهما بالتوفي والبعث الموجدين فيها ، يتحقق قضاء الأجل المسمى المترتب عليها لا في بعضها .

                                                                                                                                                                                                                                      والمراد بعلمه تعالى : ذلك علمه قبل الجرح ، كما يلوح به تقديم ذكره على البعث ; أي : يعلم ما تجرحون بالنهار ، وصيغة الماضي للدلالة على التحقق ، وتخصيص التوفي بالليل والجرح بالنهار مع تحقق كل منهما فيما خص بالآخر ، للجري على سنن العادة .

                                                                                                                                                                                                                                      ثم يبعثكم فيه ; أي : يوقظكم في النهار ، عطف على " يتوفاكم " ، وتوسيط قوله تعالى : " ويعلم ... " إلخ بينهما ، لبيان ما في بعثهم من عظيم الإحسان إليهم ، بالتنبيه على أن ما يكتسبونه من السيئات مع كونها موجبة لإبقائهم على التوفي ، بل لإهلاكهم بالمرة ، يفيض عليهم الحياة ويمهلهم ، كما ينبئ عنه كلمة التراخي ، كأنه قيل : هو الذي يتوفاكم في جنس الليالي ، ثم يبعثكم في جنس النهار مع علمه بما ستجرحون فيها .

                                                                                                                                                                                                                                      ليقضى أجل مسمى معين لكل فرد ، بحيث لا يكاد يتخطى أحد ما عين له طرفة عين .

                                                                                                                                                                                                                                      ثم إليه مرجعكم ; أي : رجوعكم بالموت لا إلى غيره أصلا .

                                                                                                                                                                                                                                      ثم ينبئكم بما كنتم تعملون بالمجازاة بأعمالكم التي كنتم تعملونها في تلك الليالي والأيام .

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل : الخطاب مخصوص بالكفرة ، والمعنى : أنكم ملقون كالجيف بالليل ، كاسبون للآثام بالنهار ، وأنه تعالى مطلع على أعمالكم ، يبعثكم الله من القبور في شأن ما قطعتم به أعماركم من النوم بالليل وكسب الآثام بالنهار ، ليقضى الأجل الذي سماه وضربه لبعث الموتى ، وجزائهم على أعمالهم ، وفيه ما لا يخفى من التكلف والإخلال ، لإفضائه إلى كون البعث معللا بقضاء الأجل المضروب له .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية