وحاجه قومه قال أتحاجوني في الله وقد هداني ولا أخاف ما تشركون به إلا أن يشاء ربي شيئا وسع ربي كل شيء علما أفلا تتذكرون
وحاجه قومه ; أي : شرعوا في مغالبته في أمر التوحيد .
قال استئناف وقع جوابا عن سؤال نشأ من حكاية محاجتهم ، كأنه قيل : فماذا قال عليه السلام حين حاجوه ؟ فقيل : قال منكرا لما اجترءوا عليه من محاجته ، مع قصورهم عن تلك الرتبة ، وعزة المطلب ، وقوة الخصم .
أتحاجوني في الله بإدغام نون الجمع في نون الوقاية ، وقرئ بحذف الأولى .
وقوله تعالى : وقد هداني حال من ضمير المتكلم مؤكدة للإنكار ، فإن كونه عليه السلام مهديا من جهة الله تعالى ، ومؤيدا من عنده مما يوجب استحالة محاجته عليه السلام ; أي : أتجادلونني في شأنه تعالى ووحدانيته ، والحال أنه تعالى هداني إلى الحق بعد ما سلكت طريقتكم بالفرض والتقدير ، وتبين بطلانها تبينا تاما كما شاهدتموه .
وقوله تعالى : ولا أخاف ما تشركون به جواب عما خوفوه عليه السلام في أثناء المحاجة من إصابة مكروه من جهة أصنامهم ، كما قال لهود عليه السلام قومه : إن نقول إلا اعتراك بعض آلهتنا بسوء ، ولعلهم فعلوا ذلك حين فعل عليه السلام بآلهتهم ما فعل ، و" ما " موصولة اسمية حذف عائدها .
وقوله تعالى : إلا أن يشاء ربي شيئا استثناء مفرغ من أعم الأوقات ; أي : لا أخاف ما تشركونه به سبحانه من معبوداتكم في وقت من الأوقات ، إلا في وقت مشيئته [ ص: 155 ] تعالى شيئا من إصابة مكروه بي من جهتها ، وذلك إنما هو من جهته تعالى من غير دخل لآلهتكم فيه أصلا .
وفي التعرض لعنوان الربوبية مع الإضافة إلى ضميره عليه السلام إظهار منه ، لانقياده لحكمه سبحانه وتعالى ، واستسلام لأمره ، واعتراف بكونه تحت ملكوته وربوبيته .
وقوله تعالى : وسع ربي كل شيء علما ، كأنه تعليل للاستثناء ; أي : أحاط بكل شيء علما ، فلا يبعد أن يكون في علمه تعالى أن يحيق بي مكروه من قبلها بسبب من الأسباب ، وفي الإظهار في موضع الإضمار تأكيد للمعنى المذكور ، واستلذاذ بذكره تعالى .
أفلا تتذكرون ; أي : أتعرضون عن التأمل في أن آلهتكم جمادات ، غير قادرة على شيء ما من نفع ولا ضر ، فلا تتذكرون أنها غير قادرة على إضراري ، وفي إيراد التذكر دون التفكر ونظائره ، إشارة إلى أن أمر أصنامهم مركوز في العقول لا يتوقف إلا على التذكر .