nindex.php?page=treesubj&link=28723_31931_31940_32416_32424_32517_28973nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=246ألم تر إلى الملإ من بني إسرائيل من بعد موسى إذ قالوا لنبي لهم ابعث لنا ملكا نقاتل في سبيل الله قال هل عسيتم إن كتب عليكم القتال ألا تقاتلوا قالوا وما لنا ألا نقاتل في سبيل الله وقد أخرجنا من ديارنا وأبنائنا فلما كتب عليهم القتال تولوا إلا قليلا منهم والله عليم بالظالمين nindex.php?page=treesubj&link=18467_18669_28723_31931_32421_32424_32426_34092_34149_34441_28973nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=247وقال لهم نبيهم إن الله قد بعث لكم طالوت ملكا قالوا أنى يكون له الملك علينا ونحن أحق بالملك منه ولم يؤت سعة من المال قال إن الله اصطفاه عليكم وزاده بسطة في العلم والجسم والله يؤتي ملكه من يشاء والله واسع عليم nindex.php?page=treesubj&link=28752_29747_31931_34513_28973nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=248وقال لهم نبيهم إن آية ملكه أن يأتيكم التابوت فيه سكينة من ربكم وبقية مما ترك آل موسى وآل هارون تحمله الملائكة إن في ذلك لآية لكم إن كنتم مؤمنين nindex.php?page=treesubj&link=19573_20091_27470_29506_29676_31931_31940_32421_32484_33386_33412_34496_28973nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=249فلما فصل طالوت بالجنود قال إن الله مبتليكم بنهر فمن شرب منه فليس مني ومن لم يطعمه فإنه مني إلا من اغترف غرفة بيده فشربوا منه إلا قليلا منهم فلما جاوزه هو والذين آمنوا معه قالوا لا طاقة لنا اليوم بجالوت وجنوده قال الذين يظنون أنهم ملاقو الله كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله والله مع الصابرين nindex.php?page=treesubj&link=32047_32484_32496_32498_33386_34190_34496_34513_28973nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=250ولما برزوا لجالوت وجنوده قالوا ربنا أفرغ علينا صبرا وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين nindex.php?page=treesubj&link=28723_29677_31955_31965_32516_34092_34190_34304_7856_28973nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=251فهزموهم بإذن الله وقتل داود جالوت وآتاه الله الملك والحكمة وعلمه مما يشاء ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض ولكن الله ذو فضل على العالمين nindex.php?page=treesubj&link=30614_32016_28973nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=252تلك آيات الله نتلوها عليك بالحق وإنك لمن المرسلين [ ص: 182 ]
(246 - 247) يقص الله تعالى هذه القصة على الأمة ليعتبروا وليرغبوا في الجهاد، ولا ينكلوا عنه، فإن الصابرين صارت لهم العواقب الحميدة في الدنيا والآخرة، والناكلين خسروا الأمرين.
فأخبر تعالى أن أهل الرأي من بني إسرائيل وأصحاب الكلمة النافذة تراودوا في شأن الجهاد، واتفقوا على أن يطلبوا من نبيهم أن يعين لهم ملكا; لينقطع النزاع بتعيينه، وتحصل الطاعة التامة، ولا يبقى لقائل مقال، وأن نبيهم خشي أن طلبهم هذا مجرد كلام لا فعل معه، فأجابوا نبيهم بالعزم الجازم، وأنهم التزموا ذلك التزاما تاما، وأن القتال متعين عليهم، حيث كان وسيلة لاسترجاع ديارهم ورجوعهم إلى مقرهم ووطنهم.
وأنه عين لهم نبيهم
طالوت ملكا، يقودهم في هذا الأمر الذي لا بد له من قائد يحسن القيادة ، وأنهم استغربوا تعيينه لطالوت، وثم من هو أحق منه بيتا وأكثر مالا.
فأجابهم نبيهم: إن الله اختاره عليكم; بما آتاه الله من قوة العلم بالسياسة وقوة الجسم، اللذين هما آلة الشجاعة والنجدة وحسن التدبير، وأن الملك ليس بكثرة المال ولا يكون صاحبه ممن كان الملك والسيادة في بيوتهم ، فالله يؤتي ملكه من يشاء.
ثم لم يكتف ذلك النبي الكريم بإقناعهم بما ذكره من كفاءة
طالوت واجتماع الصفات المطلوبة فيه حتى قال لهم :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=248إن آية ملكه أن يأتيكم التابوت فيه سكينة من ربكم وبقية مما ترك آل موسى وآل هارون
(248) وكان هذا التابوت قد استولت عليه الأعداء، فلم يكتفوا بالصفات المعنوية في طالوت، ولا بتعيين الله له على لسان نبيهم، حتى يؤيد ذلك هذه المعجزة، ولهذا قال:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=248إن في ذلك لآية لكم إن كنتم مؤمنين فحينئذ سلموا وانقادوا.
فلما ترأس فيهم
طالوت، وجندهم، ورتبهم، وفصل بهم إلى قتال عدوهم،
[ ص: 183 ] وكان قد رأى منهم من ضعف العزائم والهمم، ما يحتاج إلى تمييز الصابر من الناكل، فقال:
(249 - 250
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=249إن الله مبتليكم بنهر تمرون عليه وقت حاجة إلى الماء،
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=249فمن شرب منه فليس مني أي: لا يتبعني; لأن ذلك برهان على قلة صبره، ووفور جزعه،
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=249ومن لم يطعمه فإنه مني لصدقه وصبره،
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=249إلا من اغترف غرفة بيده أي: فإنه مسامح فيها، فلما وصلوا إلى ذلك النهر وكانوا محتاجين إلى الماء، شربوا كلهم منه
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=249إلا قليلا منهم فإنهم صبروا ولم يشربوا،
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=249فلما جاوزه هو والذين آمنوا معه قالوا أي: الناكلون أو الذين عبروا،
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=249لا طاقة لنا اليوم بجالوت وجنوده فإن كان القائلون هم الناكلين، فهذا قول يبررون به نكولهم، وإن كان القائلون هم الذين عبروا مع طالوت، فإنه حصل معهم نوع استضعاف لأنفسهم، ولكن شجعهم على الثبات والإقدام أهل الإيمان الكامل حيث قالوا:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=249كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله والله مع الصابرين بعونه وتأييده ونصره، فثبتوا وصبروا لقتال عدوهم جالوت وجنوده.
(251)
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=251وقتل داود -صلى الله عليه وسلم-
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=251جالوت وحصل بذلك الفتح والنصر على عدوهم.
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=251وآتاه الله أي:
داود nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=251الملك والحكمة النبوة والعلوم النافعة، وآتاه الله الحكمة وفصل الخطاب.
ثم بين تعالى فائدة الجهاد فقال:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=251ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض باستيلاء الكفرة والفجار وأهل الشر والفساد،
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=251ولكن الله ذو فضل على العالمين حيث لطف بالمؤمنين، ودافع عنهم وعن دينهم، بما شرعه وبما قدره.
فلما بين هذه القصة قال لرسوله -صلى الله عليه وسلم-:
(252)
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=252تلك آيات الله نتلوها عليك بالحق وإنك لمن المرسلين ومن جملة الأدلة على رسالته هذه القصة، حيث أخبر بها وحيا من الله، مطابقا للواقع، وفي هذه القصة عبر كثيرة للأمة:
منها:
nindex.php?page=treesubj&link=7862فضيلة الجهاد في سبيله، وفوائده، وثمراته، وأنه السبب الوحيد في حفظ الدين، وحفظ الأوطان، وحفظ الأبدان والأموال، وأن المجاهدين- ولو شقت عليهم الأمور- فإن عواقبهم حميدة، كما أن الناكلين- ولو استراحوا قليلا- فإنهم سيتعبون طويلا.
ومنها: الانتداب لرياسة من فيه كفاءة، وأن الكفاءة ترجع إلى أمرين: إلى العلم الذي هو علم السياسة والتدبير، وإلى القوة التي ينفذ بها الحق، وأن من اجتمع فيه الأمران فهو أحق من غيره.
[ ص: 184 ]
ومنها: الاستدلال بهذه القصة على ما قاله العلماء، أنه ينبغي لأمير الجيوش أن يتفقدها عند فصولها، فيمنع من لا يصلح للقتال من رجال وخيل وركاب لضعفه، أو ضعف صبره، أو لتخذيله، أو خوف الضرر بصحبته، فإن هذا القسم ضرر محض على الناس.
ومنها: أنه
nindex.php?page=treesubj&link=19651_19649ينبغي عند حضور البأس تقوية المجاهدين وتشجيعهم، وحثهم على القوة الإيمانية والاتكال الكامل على الله والاعتماد عليه، وسؤال الله التثبيت، والإعانة على الصبر والنصر على الأعداء.
ومنها: أن العزم على القتال والجهاد غير حقيقته، فقد يعزم الإنسان، ولكن عند حضوره تنحل عزيمته، ولهذا كان من دعاء النبي -صلى الله عليه وسلم-:
nindex.php?page=hadith&LINKID=665699 (أسألك الثبات في الأمر، والعزيمة على الرشد) ، فهؤلاء الذين عزموا على القتال، وأتوا بكلام يدل على العزم المصمم، لما جاء الوقت نكص أكثرهم، ويشبه هذا قوله -صلى الله عليه وسلم-:
nindex.php?page=hadith&LINKID=667549 (وأسألك الرضا بعد القضاء) ; لأن الرضا بعد وقوع القضاء المكروه للنفوس هو الرضا الحقيقي.
وقوله تعالى :
nindex.php?page=treesubj&link=28723_31931_31940_32416_32424_32517_28973nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=246أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلإِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلا تُقَاتِلُوا قَالُوا وَمَا لَنَا أَلا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْا إِلا قَلِيلا مِنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ nindex.php?page=treesubj&link=18467_18669_28723_31931_32421_32424_32426_34092_34149_34441_28973nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=247وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا قَالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمَالِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ nindex.php?page=treesubj&link=28752_29747_31931_34513_28973nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=248وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلائِكَةُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ nindex.php?page=treesubj&link=19573_20091_27470_29506_29676_31931_31940_32421_32484_33386_33412_34496_28973nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=249فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلا قَلِيلا مِنْهُمْ فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ قَالُوا لا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُو اللَّهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ nindex.php?page=treesubj&link=32047_32484_32496_32498_33386_34190_34496_34513_28973nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=250وَلَمَّا بَرَزُوا لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُوا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ nindex.php?page=treesubj&link=28723_29677_31955_31965_32516_34092_34190_34304_7856_28973nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=251فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُدُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ nindex.php?page=treesubj&link=30614_32016_28973nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=252تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ [ ص: 182 ]
(246 - 247) يَقُصُّ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْقِصَّةَ عَلَى الْأُمَّةِ لِيَعْتَبِرُوا وَلِيَرْغَبُوا فِي الْجِهَادِ، وَلَا يُنَكِّلُوا عَنْهُ، فَإِنَّ الصَّابِرِينَ صَارَتْ لَهُمُ الْعَوَاقِبُ الْحَمِيدَةُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَالنَّاكِلِينَ خَسِرُوا الْأَمْرَيْنِ.
فَأَخْبَرَ تَعَالَى أَنَّ أَهْلَ الرَّأْيِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَأَصْحَابِ الْكَلِمَةِ النَّافِذَةِ تَرَاوَدُوا فِي شَأْنِ الْجِهَادِ، وَاتَّفِقُوا عَلَى أَنْ يَطْلُبُوا مِنْ نَبِيِّهِمْ أَنْ يُعَيِّنَ لَهُمْ مَلِكًا; لِيَنْقَطِعَ النِّزَاعُ بِتَعْيِينِهِ، وَتَحْصُلَ الطَّاعَةُ التَّامَّةُ، وَلَا يَبْقَى لِقَائِلٍ مَقَالٌ، وَأَنَّ نَبِيَّهُمْ خَشِيَ أَنَّ طَلَبَهُمْ هَذَا مُجَرَّدُ كَلَامٍ لَا فِعْلَ مَعَهُ، فَأَجَابُوا نَبِيَّهُمْ بِالْعَزْمِ الْجَازِمِ، وَأَنَّهُمُ الْتَزَمُوا ذَلِكَ الْتِزَامًا تَامًّا، وَأَنَّ الْقِتَالَ مُتَعَيَّنٌ عَلَيْهِمْ، حَيْثُ كَانَ وَسِيلَةً لِاسْتِرْجَاعِ دِيَارِهِمْ وَرُجُوعِهِمْ إِلَى مَقَرِّهِمْ وَوَطَنِهِمْ.
وَأَنَّهُ عَيَّنَ لَهُمْ نَبِيَّهُمْ
طَالُوتَ مَلِكًا، يَقُودُهُمْ فِي هَذَا الْأَمْرِ الَّذِي لَا بُدَّ لَهُ مِنْ قَائِدٍ يُحْسِنُ الْقِيَادَةَ ، وَأَنَّهُمُ اسْتَغْرَبُوا تَعْيِينَهُ لِطَالُوتَ، وَثَمَّ مَنْ هُوَ أَحَقُّ مِنْهُ بَيْتًا وَأَكْثَرُ مَالًا.
فَأَجَابَهُمْ نَبِيُّهُمْ: إِنَّ اللَّهَ اخْتَارَهُ عَلَيْكُمْ; بِمَا آتَاهُ اللَّهُ مِنْ قُوَّةِ الْعِلْمِ بِالسِّيَاسَةِ وَقُوَّةِ الْجِسْمِ، اللَّذَيْنِ هُمَا آلَةُ الشَّجَاعَةِ وَالنَّجْدَةِ وَحُسْنِ التَّدْبِيرِ، وَأَنَّ الْمُلْكَ لَيْسَ بِكَثْرَةِ الْمَالِ وَلَا يَكُونُ صَاحِبُهُ مِمَّنْ كَانَ الْمُلْكُ وَالسِّيَادَةُ فِي بُيُوتِهِمْ ، فَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ.
ثُمَّ لَمْ يَكْتَفِ ذَلِكَ النَّبِيُّ الْكَرِيمُ بِإِقْنَاعِهِمْ بِمَا ذَكَرَهُ مِنْ كَفَاءَةِ
طَالُوتَ وَاجْتِمَاعِ الصِّفَاتِ الْمَطْلُوبَةِ فِيهِ حَتَّى قَالَ لَهُمْ :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=248إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ
(248) وَكَانَ هَذَا التَّابُوتُ قَدِ اسْتَوْلَتْ عَلَيْهِ الْأَعْدَاءُ، فَلَمْ يَكْتَفُوا بِالصِّفَاتِ الْمَعْنَوِيَّةِ فِي طَالُوتَ، وَلَا بِتَعْيِينِ اللَّهِ لَهُ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِمْ، حَتَّى يُؤَيِّدَ ذَلِكَ هَذِهِ الْمُعْجِزَةُ، وَلِهَذَا قَالَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=248إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ فَحِينَئِذٍ سَلَّمُوا وَانْقَادُوا.
فَلَمَّا تَرَأَّسَ فِيهِمْ
طَالُوتُ، وَجَنَّدَهُمْ، وَرَتَّبَهُمْ، وَفَصَلَ بِهِمْ إِلَى قِتَالِ عَدُوِّهِمْ،
[ ص: 183 ] وَكَانَ قَدْ رَأَى مِنْهُمْ مِنْ ضِعْفِ الْعَزَائِمِ وَالْهِمَمِ، مَا يَحْتَاجُ إِلَى تَمْيِيزِ الصَّابِرِ مِنَ النَّاكِلِ، فَقَالَ:
(249 - 250
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=249إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ تَمُرُّونَ عَلَيْهِ وَقْتَ حَاجَةٍ إِلَى الْمَاءِ،
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=249فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي أَيْ: لَا يَتَّبِعُنِي; لِأَنَّ ذَلِكَ بِرِهَانٌ عَلَى قِلَّةِ صَبْرِهِ، وَوُفُورِ جَزَعِهِ،
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=249وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي لِصِدْقِهِ وَصَبْرِهِ،
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=249إِلا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ أَيْ: فَإِنَّهُ مُسَامِحٌ فِيهَا، فَلَمَّا وَصَلُوا إِلَى ذَلِكَ النَّهْرِ وَكَانُوا مُحْتَاجِينَ إِلَى الْمَاءِ، شَرِبُوا كُلُّهُمْ مِنْهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=249إِلا قَلِيلا مِنْهُمْ فَإِنَّهُمْ صَبَرُوا وَلَمْ يَشْرَبُوا،
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=249فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ قَالُوا أَيِ: النَّاكِلُونَ أَوِ الَّذِينَ عَبَرُوا،
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=249لا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ فَإِنْ كَانَ الْقَائِلُونَ هُمُ النَّاكِلِينَ، فَهَذَا قَوْلٌ يُبَرِّرُونَ بِهِ نُكُولَهُمْ، وَإِنْ كَانَ الْقَائِلُونَ هُمُ الَّذِينَ عَبَرُوا مَعَ طَالُوتَ، فَإِنَّهُ حَصَلَ مَعَهُمْ نَوْعُ اسْتِضْعَافٍ لِأَنْفُسِهِمْ، وَلَكِنْ شَجَّعَهُمْ عَلَى الثَّبَاتِ وَالْإِقْدَامِ أَهْلُ الْإِيمَانِ الْكَامِلِ حَيْثُ قَالُوا:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=249كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ بِعَوْنِهِ وَتَأْيِيدِهِ وَنَصْرِهِ، فَثَبَتُوا وَصَبَرُوا لِقِتَالِ عَدُوِّهِمْ جَالُوتَ وَجُنُودِهِ.
(251)
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=251وَقَتَلَ دَاوُدُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=251جَالُوتَ وَحَصَلَ بِذَلِكَ الْفَتْحُ وَالنَّصْرُ عَلَى عَدُوِّهِمْ.
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=251وَآتَاهُ اللَّهُ أَيْ:
دَاوُدَ nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=251الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ النُّبُوَّةَ وَالْعُلُومَ النَّافِعَةَ، وَآتَاهُ اللَّهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ.
ثُمَّ بَيَّنَ تَعَالَى فَائِدَةَ الْجِهَادِ فَقَالَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=251وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الأَرْضُ بِاسْتِيلَاءِ الْكَفَرَةِ وَالْفُجَّارِ وَأَهْلِ الشَّرِّ وَالْفَسَادِ،
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=251وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ حَيْثُ لَطَفَ بِالْمُؤْمِنِينَ، وَدَافَعَ عَنْهُمْ وَعَنْ دِينِهِمْ، بِمَا شَرَعَهُ وَبِمَا قَدَّرَهُ.
فَلَمَّا بَيْنَ هَذِهِ الْقِصَّةِ قَالَ لِرَسُولِهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
(252)
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=252تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ وَمِنْ جُمْلَةِ الْأَدِلَّةِ عَلَى رِسَالَتِهِ هَذِهِ الْقِصَّةُ، حَيْثُ أَخْبَرَ بِهَا وَحْيًا مِنَ اللَّهِ، مُطَابِقًا لِلْوَاقِعِ، وَفِي هَذِهِ الْقِصَّةِ عِبَرٌ كَثِيرَةٌ لِلْأُمَّةِ:
مِنْهَا:
nindex.php?page=treesubj&link=7862فَضِيلَةُ الْجِهَادِ فِي سَبِيلِهِ، وَفَوَائِدُهُ، وَثَمَرَاتُهُ، وَأَنَّهُ السَّبَبُ الْوَحِيدُ فِي حِفْظِ الدِّينِ، وَحِفْظِ الْأَوْطَانِ، وَحِفْظِ الْأَبْدَانِ وَالْأَمْوَالِ، وَأَنَّ الْمُجَاهِدِينَ- وَلَوْ شَقَّتْ عَلَيْهِمُ الْأُمُورُ- فَإِنَّ عَوَاقِبَهُمْ حَمِيدَةٌ، كَمَا أَنَّ النَّاكِلِينَ- وَلَوِ اسْتَرَاحُوا قَلِيلًا- فَإِنَّهُمْ سَيَتْعَبُونَ طَوِيلًا.
وَمِنْهَا: الِانْتِدَابُ لِرِيَاسَةِ مَنْ فِيهِ كَفَاءَةٌ، وَأَنَّ الْكَفَاءَةَ تَرْجِعُ إِلَى أَمْرَيْنِ: إِلَى الْعِلْمِ الَّذِي هُوَ عِلْمُ السِّيَاسَةِ وَالتَّدْبِيرِ، وَإِلَى الْقُوَّةِ الَّتِي يُنَفَّذُ بِهَا الْحَقُّ، وَأَنَّ مَنِ اجْتَمَعَ فِيهِ الْأَمْرَانِ فَهُوَ أَحَقُّ مِنْ غَيْرِهِ.
[ ص: 184 ]
وَمِنْهَا: الِاسْتِدْلَالُ بِهَذِهِ الْقِصَّةِ عَلَى مَا قَالَهُ الْعُلَمَاءُ، أَنَّهُ يَنْبَغِي لِأَمِيرِ الْجُيُوشِ أَنْ يَتَفَقَّدَهَا عِنْدَ فُصُولِهَا، فَيَمْنَعُ مَنْ لَا يَصْلُحُ لِلْقِتَالِ مِنْ رِجَالٍ وَخَيْلٍ وَرِكَابٍ لِضَعْفِهِ، أَوْ ضَعْفِ صَبْرِهِ، أَوْ لِتَخْذِيلِهِ، أَوْ خَوْفِ الضَّرَرِ بِصُحْبَتِهِ، فَإِنَّ هَذَا الْقَسَمَ ضَرَرٌ مَحْضٌ عَلَى النَّاسِ.
وَمِنْهَا: أَنَّهُ
nindex.php?page=treesubj&link=19651_19649يَنْبَغِي عِنْدَ حُضُورِ الْبَأْسِ تَقْوِيَةُ الْمُجَاهِدِينَ وَتَشْجِيعُهُمْ، وَحَثُّهُمْ عَلَى الْقُوَّةِ الْإِيمَانِيَّةِ وَالِاتِّكَالِ الْكَامِلِ عَلَى اللَّهِ وَالِاعْتِمَادِ عَلَيْهِ، وَسُؤَالُ اللَّهِ التَّثْبِيتَ، وَالْإِعَانَةُ عَلَى الصَّبْرِ وَالنَّصْرِ عَلَى الْأَعْدَاءِ.
وَمِنْهَا: أَنَّ الْعَزْمَ عَلَى الْقِتَالِ وَالْجِهَادِ غَيْرُ حَقِيقَتِهِ، فَقَدْ يَعْزِمُ الْإِنْسَانُ، وَلَكِنْ عِنْدَ حُضُورِهِ تَنْحَلُّ عَزِيمَتُهُ، وَلِهَذَا كَانَ مِنْ دُعَاءِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
nindex.php?page=hadith&LINKID=665699 (أَسْأَلُكَ الثَّبَاتَ فِي الْأَمْرِ، وَالْعَزِيمَةَ عَلَى الرُّشْدِ) ، فَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ عَزَمُوا عَلَى الْقِتَالِ، وَأَتَوْا بِكَلَامٍ يَدُلُّ عَلَى الْعَزْمِ الْمُصَمِّمِ، لَمَّا جَاءَ الْوَقْتُ نَكَصَ أَكْثَرُهُمْ، وَيُشْبِهُ هَذَا قَوْلَهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
nindex.php?page=hadith&LINKID=667549 (وَأَسْأَلُكَ الرِّضَا بَعْدَ الْقَضَاءِ) ; لِأَنَّ الرِّضَا بَعْدَ وُقُوعِ الْقَضَاءِ الْمَكْرُوهِ لِلنُّفُوسِ هُوَ الرِّضَا الْحَقِيقِيُّ.
وَقَوْلُهُ تَعَالَى :