[ ص: 1650 ] وإذ صرفنا إليك نفرا من الجن يستمعون القرآن فلما حضروه قالوا أنصتوا فلما قضي ولوا إلى قومهم منذرين قالوا يا قومنا إنا سمعنا كتابا أنزل من بعد موسى مصدقا لما بين يديه يهدي إلى الحق وإلى طريق مستقيم يا قومنا أجيبوا داعي الله وآمنوا به يغفر لكم من ذنوبكم ويجركم من عذاب أليم ومن لا يجب داعي الله فليس بمعجز في الأرض وليس له من دونه أولياء أولئك في ضلال مبين
كان الله تعالى قد أرسل رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم إلى الخلق إنسهم وجنهم وكان لا بد من إبلاغ الجميع لدعوة النبوة والرسالة.
فالإنس يمكنه عليه الصلاة والسلام دعوتهم وإنذارهم، وأما الجن فصرفهم الله إليه بقدرته وأرسل إليه نفرا من الجن يستمعون القرآن فلما حضروه قالوا أنصتوا أي: وصى بعضهم بعضا بذلك، فلما قضي وقد وعوه وأثر ذلك فيهم ولوا إلى قومهم منذرين نصحا منهم لهم وإقامة لحجة الله عليهم وقيضهم الله معونة لرسوله صلى الله عليه وسلم في نشر دعوته في الجن.
قالوا يا قومنا إنا سمعنا كتابا أنزل من بعد موسى لأن كتاب موسى أصل للإنجيل وعمدة لبني إسرائيل في أحكام الشرع، وإنما الإنجيل متمم ومكمل ومغير لبعض الأحكام.
مصدقا لما بين يديه يهدي هذا الكتاب الذي سمعناه إلى الحق وهو الصواب في كل مطلوب وخبر وإلى طريق مستقيم موصل إلى الله وإلى جنته من العلم بالله وبأحكامه الدينية وأحكام الجزاء.
فلما مدحوا القرآن وبينوا محله ومرتبته دعوهم إلى الإيمان به، فقالوا: يا قومنا أجيبوا داعي الله أي: الذي لا يدعو إلا إلى ربه لا يدعوكم إلى غرض من أغراضه ولا هوى وإنما يدعوكم إلى ربكم ليثيبكم ويزيل عنكم كل شر ومكروه، ولهذا قالوا: يغفر لكم من ذنوبكم ويجركم من عذاب أليم وإذا أجارهم من العذاب الأليم فما ثم بعد ذلك إلا النعيم، فهذا جزاء من أجاب داعي الله.
ومن لا يجب داعي الله فليس بمعجز في الأرض فإن الله على كل شيء قدير فلا يفوته هارب ولا يغالبه مغالب. وليس له من دونه أولياء أولئك في ضلال مبين وأي ضلال أبلغ من ضلال من نادته الرسل ووصلت إليه النذر بالآيات البينات، والحجج المتواترات فأعرض واستكبر؟"