إن المتقين في جنات ونعيم فاكهين بما آتاهم ربهم ووقاهم ربهم عذاب الجحيم كلوا واشربوا هنيئا بما كنتم تعملون متكئين على سرر مصفوفة وزوجناهم بحور عين
لما ذكر تعالى عقوبة المكذبين، ذكر نعيم المتقين، ليجمع بين الترغيب [ ص: 1722 ] والترهيب، فتكون القلوب بين الخوف والرجاء، فقال: إن المتقين لربهم، الذين اتقوا سخطه وعذابه، بفعل أسبابه من امتثال الأوامر واجتناب النواهي.
في جنات أي: بساتين، قد اكتست رياضها من الأشجار الملتفة، والأنهار المتدفقة، والقصور المحدقة، والمنازل المزخرفة، ونعيم وهذا شامل لنعيم القلب والروح والبدن،
فاكهين بما آتاهم ربهم أي: معجبين به، متمتعين على وجه الفرح والسرور بما أعطاهم الله من النعيم الذي لا يمكن وصفه، ولا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين، ووقاهم عذاب الجحيم، فرزقهم المحبوب، ونجاهم من المرهوب، لما فعلوا ما أحبه الله، وجانبوا ما يسخطه ويأباه.
كلوا واشربوا أي: مما تشتهيه أنفسكم، من أصناف المآكل والمشارب اللذيذة، هنيئا أي: متهنئين بذلك المآكل والمشارب على وجه الفرح والسرور والبهجة والحبور. بما كنتم تعملون أي: نلتم ما نلتم بسبب أعمالكم الحسنة، وأقوالكم المستحسنة.
متكئين على سرر مصفوفة الاتكاء: هو الجلوس على وجه التمكن والراحة والاستقرار، والسرر: هي الأرائك المزينة بأنواع الزينة من اللباس الفاخر والفرش الزاهية.
ووصف الله السرر بأنها مصفوفة، ليدل ذلك على كثرتها، وحسن تنظيمها، واجتماع أهلها وسرورهم، بحسن معاشرتهم، وملاطفة بعضهم لبعض فلما اجتمع لهم من نعيم القلب والروح والبدن ما لا يخطر بالبال، ولا يدور في الخيال، من المآكل والمشارب اللذيذة ، والمجالس الحسنة الأنيقة، لم يبق إلا التمتع بالنساء اللاتي لا يتم سرور بدونهن فذكر الله أن لهم من الأزواج أكمل النساء أوصافا وخلقا وأخلاقا، ولهذا قال: وزوجناهم بحور عين وهن النساء اللواتي قد جمعن من جمال الصورة الظاهرة وبهائها، ومن الأخلاق الفاضلة، ما يوجب أن يحيرن بحسنهن الناظرين، ويسلبن عقول العالمين، وتكاد الأفئدة أن تطير شوقا إليهن، ورغبة في وصالهن، والعين: حسان الأعين مليحاتها، التي صفا بياضها وسوادها.