هم الذين يقولون لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا ولله خزائن السماوات والأرض ولكن المنافقين لا يفقهون يقولون لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ولكن المنافقين لا يعلمون
وهذا من شدة عداوتهم للنبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين، لما رأوا اجتماع أصحابه وائتلافهم، ومسارعتهم في مرضاة الرسول صلى الله عليه وسلم، قالوا بزعمهم الفاسد:
لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا فإنهم - بزعمهم - لولا أموال المنافقين ونفقاتهم عليهم، لما اجتمعوا في نصرة دين الله، وهذا من أعجب العجب، أن يدعي هؤلاء المنافقون الذين هم أحرص الناس على خذلان الدين، وأذية المسلمين، مثل هذه الدعوى، التي لا تروج إلا على من لا علم له بالحقائق ولهذا قال الله ردا لقولهم: ولله خزائن السماوات والأرض فيؤتي الرزق من يشاء، ويمنعه من يشاء، وييسر الأسباب لمن يشاء، ويعسرها على من يشاء، ولكن المنافقين لا يفقهون فلذلك قالوا تلك المقالة، التي مضمونها أن خزائن الرزق في أيديهم، وتحت مشيئتهم.
يقولون لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل وذلك في [ ص: 1834 ] غزوة المريسيع، حين صار بين بعض المهاجرين والأنصار، بعض كلام كدر الخواطر، ظهر حينئذ نفاق المنافقين، وتبين ما في قلوبهم . وقال كبيرهم، عبد الله بن أبي بن سلول: ما مثلنا ومثل هؤلاء -يعني المهاجرين- إلا كما قال القائل: " غذ كلبك يأكلك "
وقال: لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل بزعمه أنه هو وإخوانه من المنافقين الأعزون، وأن رسول الله ومن معه هم الأذلون، والأمر بعكس ما قال هذا المنافق، فلهذا قال تعالى: ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين فهم الأعزاء، والمنافقون وإخوانهم من الكفار هم الأذلاء. ولكن المنافقين لا يعلمون ذلك فلذلك زعموا أنهم الأعزاء، اغترارا بما هم عليه من الباطل، ثم قال تعالى: