وإن ما نرينك بعض الذي نعدهم أو نتوفينك فإنما عليك البلاغ وعلينا الحساب أولم يروا أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها والله يحكم لا معقب لحكمه وهو سريع الحساب
(40 ) يقول تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : لا تعجل عليهم بإصابة ما يوعدون به من [ ص: 837 ] العذاب ؛ فهم إن استمروا على طغيانهم وكفرهم ؛ فلا بد أن يصيبهم ما وعدوا به : إما نرينك إياه في الدنيا فتقر بذلك عينك ، أو نتوفينك قبل إصابتهم ؛ فليس ذلك شغلا لك . فإنما عليك البلاغ : والتبيين للخلق ، وعلينا الحساب : فنحاسب الخلق على ما قاموا به ، مما عليهم ، وضيعوه ، ونثيبهم أو نعاقبهم .
(41 ) ثم قال متوعدا للمكذبين أولم يروا أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها : قيل بإهلاك المكذبين واستئصال الظالمين ، وقيل : بفتح بلدان المشركين ، ونقصهم في أموالهم وأبدانهم ، وقيل غير ذلك من الأقوال . والظاهر -والله أعلم- أن المراد بذلك أن أراضي هؤلاء المكذبين جعل الله يفتحها ويجتاحها ، ويحل القوارع بأطرافها ، تنبيها لهم قبل أن يجتاحهم النقص ، ويوقع الله بهم من القوارع ما لا يرده أحد ، ولهذا قال : والله يحكم لا معقب لحكمه : ويدخل في هذا حكمه الشرعي والقدري والجزائي .
فهذه الأحكام التي يحكم الله فيها ، توجد في غاية الحكمة والإتقان ، لا خلل فيها ولا نقص ، بل هي مبنية على القسط والعدل والحمد ، فلا يتعقبها أحد ولا سبيل إلى القدح فيها ، بخلاف حكم غيره فإنه قد يوافق الصواب وقد لا يوافقه ، وهو سريع الحساب : أي : فلا يستعجلوا بالعذاب فإن كل ما هو آت ، فهو قريب .