من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان ولكن من شرح بالكفر صدرا فعليهم غضب من الله ولهم عذاب عظيم ذلك بأنهم استحبوا الحياة الدنيا على الآخرة وأن الله لا يهدي القوم الكافرين أولئك الذين طبع الله على قلوبهم وسمعهم وأبصارهم وأولئك هم الغافلون لا جرم أنهم في الآخرة هم الخاسرون
(106 - 108 ) يخبر تعالى عن شناعة حال من كفر به من بعد إيمانه فعمي بعد ما أبصر، ورجع إلى الضلال بعد ما اهتدى، وشرح صدره بالكفر راضيا به مطمئنا: أن لهم الغضب الشديد من الرب الرحيم، الذي إذا غضب لم يقم لغضبه شيء وغضب عليهم كل شيء، ولهم عذاب عظيم أي: في غاية الشدة، مع أنه دائم أبدا.
وذلك أنهم استحبوا الحياة الدنيا على الآخرة حيث ارتدوا على [ ص: 904 ] أدبارهم طمعا في شيء من حطام الدنيا، ورغبة فيه وزهدا في خير الآخرة.
فلما اختاروا الكفر على الإيمان منعهم الله الهداية ، فلم يهدهم لأن الكفر وصفهم، فطبع على قلوبهم؛ فلا يدخلها خير، وعلى سمعهم وعلى أبصارهم؛ فلا ينفذ منها ما ينفعهم ويصل إلى قلوبهم. فشملتهم الغفلة وأحاط بهم الخذلان، وحرموا رحمة الله التي وسعت كل شيء، وذلك أنها أتتهم فردوها، وعرضت عليهم فلم يقبلوها.
(109 لا جرم أنهم في الآخرة هم الخاسرون الذين خسروا أنفسهم وأموالهم وأهليهم يوم القيامة ، وفاتهم النعيم المقيم، وحصلوا على العذاب الأليم.
وهذا بخلاف من أكره على الكفر وأجبر عليه، وقلبه مطمئن بالإيمان; راغب فيه ؛ فإنه لا حرج عليه ولا إثم، ويجوز له النطق بكلمة الكفر عند الإكراه عليها.
ودل ذلك على أن كلام المكره على الطلاق أو العتاق أو البيع أو الشراء أو سائر العقود أنه لا عبرة به، ولا يترتب عليه حكم شرعي، لأنه إذا لم يعاقب على كلمة الكفر إذا أكره عليها؛ فغيرها من باب أولى وأحرى.