يا يحيى خذ الكتاب بقوة وآتيناه الحكم صبيا وحنانا من لدنا وزكاة وكان تقيا وبرا بوالديه ولم يكن جبارا عصيا وسلام عليه يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حيا
[ ص: 992 ] (12) دل الكلام السابق على ولادة يحيى وشبابه وتربيته، فلما وصل إلى حالة يفهم فيها الخطاب أمره الله أن يأخذ الكتاب بقوة؛ أي: بجد واجتهاد، وذلك بالاجتهاد في حفظ ألفاظه، وفهم معانيه، والعمل بأوامره ونواهيه، هذا تمام أخذ الكتاب بقوة، فامتثل أمر ربه، وأقبل على الكتاب، فحفظه وفهمه، وجعل الله فيه من الذكاء والفطنة ما لا يوجد في غيره، ولهذا قال: وآتيناه الحكم صبيا أي: معرفة أحكام الله والحكم بها، وهو في حال صغره وصباه.
(13) وآتيناه أيضا " حنانا من لدنا " ؛ أي: رحمة ورأفة تيسرت بها أموره، وصلحت بها أحواله، واستقامت بها أفعاله. وزكاة ؛ أي: طهارة من الآفات والذنوب، فطهر قلبه وتزكى عقله، وذلك يتضمن زوال الأوصاف المذمومة، والأخلاق الرديئة، وزيادة الأخلاق الحسنة، والأوصاف المحمودة، ولهذا قال: وكان تقيا ؛ أي: فاعلا للمأمور، تاركا للمحظور. (14) ومن كان مؤمنا تقيا كان لله وليا، وكان من أهل الجنة التي أعدت للمتقين، وحصل له من الثواب الدنيوي والأخروي ما رتبه الله على التقوى، وكان أيضا " برا بوالديه " ؛ أي: لم يكن عاقا، ولا مسيئا إلى أبويه، بل كان محسنا إليهما بالقول والفعل. ولم يكن جبارا عصيا ؛ أي: لم يكن متجبرا متكبرا عن عبادة الله، ولا مترفعا على عباد الله، ولا على والديه، بل كان متواضعا، متذللا مطيعا، أوابا لله على الدوام، فجمع بين القيام بحق الله، وحق خلقه. (15) ولهذا حصلت له السلامة من الله في جميع أحواله، مبادئها وعواقبها، فلذا قال: وسلام عليه يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حيا وذلك يقتضي سلامته من الشيطان والشر والعقاب في هذه الأحوال الثلاثة وما بينها، وأنه سالم من النار والأهوال، ومن أهل دار السلام، فصلوات الله وسلامه عليه وعلى والده، وعلى سائر المرسلين، وجعلنا من أتباعهم، إنه جواد كريم.