وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات قال الذين كفروا للذين آمنوا أي الفريقين خير مقاما وأحسن نديا وكم أهلكنا قبلهم من قرن هم أحسن أثاثا ورئيا
(73) أي: وإذا تتلى على هؤلاء الكفار آياتنا بينات؛ أي: واضحات الدلالة على وحدانية الله وصدق رسله، توجب لمن سمعها صدق الإيمان وشدة الإيقان، قابلوها بضد ما يجب لها، واستهزءوا بها وبمن آمن بها، واستدلوا بحسن حالهم في الدنيا على أنهم خير من المؤمنين، فقالوا معارضين للحق: أي الفريقين ؛ أي: نحن والمؤمنون خير مقاما ؛ أي: في الدنيا من كثرة الأموال والأولاد، وتوفر الشهوات وأحسن نديا ؛ أي: مجلسا، أي: فاستنتجوا من هذه المقدمة الفاسدة أنهم أكثر مالا وأولادا، وقد حصلت لهم أكثر مطالبهم من [ ص: 1011 ] الدنيا، ومجالسهم وأنديتهم مزخرفة مزوقة، والمؤمنون بخلاف هذه الحال، فهم خير من المؤمنين. وهذا دليل في غاية الفساد، وهو من باب قلب الحقائق، وإلا فكثرة الأموال والأولاد وحسن المنظر - كثيرا - ما يكون سببا لهلاك صاحبه وشقائه وشره، ولهذا قال تعالى: وكم أهلكنا قبلهم من قرن هم أحسن أثاثا ؛ أي: متاعا، من أوان وفرش وبيوت وزخارف، ورئيا ؛ أي: أحسن مرأى ومنظرا، من غضارة العيش، وسرور اللذات، وحسن الصور، فإذا كان هؤلاء المهلكون أحسن منهم أثاثا ورئيا، ولم يمنعهم ذلك من حلول العقاب بهم، فكيف يكون هؤلاء - وهم أقل منهم وأذل - معتصمين من العذاب، أكفاركم خير من أولئكم أم لكم براءة في الزبر ؟ وعلم من هذا أن الاستدلال على خير الآخرة بخير الدنيا من أفسد الأدلة، وأنه من طرق الكفار.