الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                          صفحة جزء
                                                                          باب ( الحيض ) لغة : السيلان ، مصدر حاض ، مأخوذ من حاض الوادي . إذا سال . وحاضت الشجرة إذا سال منها شبه الدم وهو الصمغ الأحمر ، وتحيضت : قعدت أيام حيضها عن نحو صلاة . ومن أسمائه : الطمث والعراك والضحك والإعصار والإكبار والنفاس والفراك والدراس ، واستحيضت المرأة استمر بها الدم بعد أيامها .

                                                                          وشرعا ( دم طبيعة وجبلة ) بضم الجيم وكسرها ، أي سجية وخلقة . جبل الله بنات آدم عليها ( ترخيه الرحم ) بفتح الراء وكسرها مع كسر الحاء وسكونها فيهما ، بيت منبت الولد ووعائه ، ومخرجه من قعره ( يعتاد ) ذلك الدم ( أنثى إذا بلغت ، في أيام معلومة ) في الغالب من كل شهر ستة أيام ، أو سبعة ، إن لم تكن المرأة حاملا ولا مرضعا ، ولأنه لا مصرف له إذن ، فإذا حملت صرفه الله لغذاء الولد . ولذلك لا تحيض الحامل .

                                                                          فإذا أرضعت قلبه الله لبنا يتغذى به ، ولذلك قل أن تحيض المرضع ( ويمنع الحيض ) اثني عشر شيئا ( الغسل له ، فلا ) يصح لقيام موجبه . ( ولا ) يمنع الغسل ( لجنابة ) أو نحو إحرام ( بل يسن ) الغسل لذلك ، تخفيفا للحدث .

                                                                          ( و ) يمنع ( الوضوء ) فلا يصح لما [ ص: 111 ] تقدم ( و ) يمنع ( وجوب الصلاة ) إجماعا فلا تقضيها إجماعا .

                                                                          قيل لأحمد في رواية الأثرم : فإن أحبت أن تقضيها ؟ قال : لا ، هذا خلاف . أي بدعة . وتفعل ركعتي طواف لأنها نسك لا آخر لوقته ذكره في الفروع بمعناه .

                                                                          ( و ) يمنع أيضا ( فعلها ) أي الصلاة ولو سجدة تلاوة لمستمعة لقيام المانع بها .

                                                                          ( و ) يمنع أيضا ( فعل طواف ) لقوله صلى الله عليه وسلم : { غير أن لا تطوفي بالبيت } ولأنه صلاة ووجوبه باق فتفعله إذا طهرت أداء ، لأنه لا آخر لوقته .

                                                                          ويسقط عنها وجوب طواف للوداع . كما يأتي .

                                                                          ( و ) يمنع أيضا فعل ( صوم ) إجماعا لقوله صلى الله عليه وسلم : { أليست إحداكن إذا حاضت لم تصم ولم تصل ؟ قلن : بلى } رواه البخاري و ( لا ) يمنع الحيض ( وجوبه ) أي الصوم ، فتقضيه إجماعا .

                                                                          لحديث معاذة قالت " سألت عائشة ، فقلت : { ما بال الحائض تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة ؟ فقالت : أحرورية أنت ؟ فقلت : لست بحرورية ولكني أسأل . فقالت : كنا نحيض على عهد النبي صلى الله عليه وسلم فنؤمر بقضاء الصوم ، ولا نؤمر بقضاء الصلاة } متفق عليه .

                                                                          وقضاؤه بالأمر السابق ، لا بأمر جديد ( و ) يمنع أيضا ( مس مصحف ) لقوله تعالى : ( لا يمسه إلا المطهرون ) ( و ) يمنع أيضا ( قراءة قرآن ) مطلقا لقوله صلى الله عليه وسلم { : لا تقرأ الحائض ولا الجنب شيئا من القرآن } رواه أبو داود والترمذي .

                                                                          ( و ) يمنع أيضا ( اللبث بمسجد ) لقوله صلى الله عليه وسلم : { لا أحل المسجد لحائض ولا لجنب } رواه أبو داود ( ولو ) كان ( اللبث ) بوضوء ، مع أمن التلويث .

                                                                          فلا يصح اعتكافها و ( لا ) يمنع الحيض ( المرور ) بالمسجد ( إن أمنت تلويثه نصا ) فإن لم تأمنه منعت .

                                                                          ( و ) يمنع الحيض أيضا وطئا في فرج لقوله تعالى : { فاعتزلوا النساء في المحيض } الآية وهو موضع الحيض ، صححه في الإنصاف . وليس بكبيرة . وإن أراد وطأها فادعته قبل منها . نصا إن أمكن كطهرها ( إلا لمن به شبق ) مرض معروف .

                                                                          فيباح له الوطء في الحيض ( بشرطه ) بأن يخاف تشقق أنثييه ، إن لم يطأ ، ولا تندفع شهوته بدونه في الفرج . ولا يجد غير الحائض من زوجة أو سرية ، ولا يقدر على مهر حرة أو ثمن أمة .

                                                                          ( و ) يمنع الحيض أيضا ( سنة طلاق ) لأن الطلاق فيه بدعة محرمة . كما يأتي موضحا في بابه ( ما لم تسأله ) أي الحائض الزوج ( خلعا أو طلاقا [ ص: 112 ] على عوض ) فيباح له إجابتها . لأن المنع لتضررها بطول العدة ، ومع سؤالها قد أدخلت الضرر على نفسها .

                                                                          وعلم منه : أنه لا يباح إن سألته طلاقا بلا عوض . ولا إن كان السائل غيرها .

                                                                          ( و ) يمنع أيضا ( اعتدادا بأشهر ) لقوله تعالى : { والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء } فأوجب العدة بالقروء ، ولمفهوم قوله تعالى : { واللائي يئسن من المحيض من نسائكم } الآية ( إلا ) الاعتداد ( لوفاة ) فبالأشهر إن لم تكن حاملا ، ولو أنها تحيض ، لقوله تعالى : { والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا }

                                                                          التالي السابق


                                                                          الخدمات العلمية