[ ص: 175 ] باب النية لغة : القصد ، يقال : نواك الله بخير ، أي قصدك به ، ومحلها : القلب ، فتجزئ وإن لم يتلفظ . ولا يضر سبق لسانه بغير قصده وتلفظه بما نواه تأكيد وشرعا ( العزم على فعل الشيء ) من عبادة وغيرها ( يزاد ) في حد النية ( في عبادة : تقربا إلى الله تعالى ) بأن لا يشرك في العبادة بالله غيره .
فلو ألجئ إليها ( بيمين ) أو غيره ففعل ، ولم ينو قربة لم تصح ( وهي ) أي النية ( شرط ) للصلاة لقوله تعالى : { وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين } والإخلاص : عمل القلب وهو محض النية ولحديث { } متفق عليه ( ولا تسقط بحال ) ; لأن محلها القلب ، فلا يتأتى العجز عنها ( ولا يمنع صحتها ) أي الصلاة ( قصد تعليمها ) لفعله صلى الله عليه وسلم في صلاته على المنبر وغيره ( أو ) قصد ( خلاص من خصم ، أو إدمان سهر ) بعد إتيانه بالنية المعتبرة . وذكره إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى ابن الجوزي فيما ينقص الأجر .
ومثله : قصده مع نية الصوم هضم الطعام أو قصده مع نية الحج رؤية البلاد النائية ونحوه ; لأنه قصد ما يلزم ضرورة . كنية التبرد أو النظافة مع نية رفع الحدث . وقال ابن الجوزي في الممترج بثوب من الرياء وحظ النفس : إن تساوى الباعثان فلا له ولا عليه ، وإلا أثيب ، وأثم بقدره .
وكلام غيره يدل على أن ثوب الرياء يبطل ( والأفضل : أن تقارن ) النية ( التكبير ) للإحرام لتقارن العبادة وخروجا من الخلاف ( فإن تقدمته ) أي التكبير النية بزمن ( يسير ، لا ) إن كان التقدم ( قبل ) دخول ( وقت أداء ) مكتوبة ( وراتبة ولم يرتد ) من قدم النية على التكبير ( ولم يفسخها ) أي النية قبله ( صحت ) الصلاة ; لأن تقدم نية الفعل عليه لا تخرجه عن كونه منويا ، كالصوم وكبقية الشروط ; ولأن في اعتبار المقارنة حرجا ومشقة
فوجب سقوطه . لقوله تعالى : { وما جعل عليكم في الدين من حرج } فإن تقدمت النية الوقت لم تعتبر ، للاختلاف في كونها ركنا . وهو لا يتقدم الوقت كبقية الأركان . وكذا إن ارتد أو فسخها لبطلانها بذلك ( ويجب استصحاب حكمها ) أي النية إلى آخر الصلاة ، بأن لا ينوي قطعها دون ذكرها ، فلو ذهل عنها [ ص: 176 ] أو عزبت عنه في أثناء الصلاة لم تبطل ; لأن التحرز عنه غير ممكن وكالصوم .
وإن أمكنه استصحاب ذكرها فهو أفضل ( فتبطل ) النية والصلاة ( بفسخ ) النية ( في الصلاة ) ; لأن النية شرط في جميعها وقد قطعها . والفرق بينها وبين الحج أنه لا يخرج منه بمحظوراته ، بخلاف الصلاة فإن فسخها بعد الصلاة لم تبطل . وتبطل أيضا ( وتردد فيه ) أي الفسخ ; لأنه يبطل استدامتها ، فهو كقطعها ( و ) تبطل أيضا ( وعزم عليه ) أي الفسخ ; لأن النية عزم جازم .
ومع العزم على فسخها لا جزم فلا نية . وكذا لو علقه على شرط و ( لا ) تبطل بعزم ( على ) فعل ( محظور ) في صلاته بأن عزم على كلام ولم يتكلم ، أو فعل حدث ونحوه ، ولم يفعله لعدم منافاته الجزم المتقدم ; لأنه قد يفعل المحظور وقد لا يفعل ، ولا مناقض في الحال للنية المتقدمة ، فتستمر إلى أن يوجد مناقض .
( و ) تبطل النية ( بشكه ) أي المصلي ( هل نوى ) الصلاة فعمل معه عملا ( أو ) شكه ( هل عين ) ظهرا أو عصرا .
أو عين مغربا أو عشاء ( فعمل معه ) أي الشك ( عملا ) فعليا ، كركوع أو سجود أو رفع ، أو قوليا ، كقراءة وتسبيح ( ثم ذكر ) أنه كان نوى أو عين ; لأن ما عمله خلا عن نية جازمة ، فإن لم يحدث مع الشك عملا ، ثم ذكر أنه نوى أو عين ، لم تبطل ، وإن لم يذكر استأنف ( وشرط ) بالبناء للمفعول ( مع تعيين معينة ) فرضا كانت أو نفلا فينوي كون المكتوبة ظهرا أو عصرا ، نية الصلاة
أو كون الصلاة نذرا ، إن كانت كذلك ، أو تراويح أو وترا ، أو راتبة إن كانت ، لتمتاز عن غيرها ، فلو كانت عليه صلوات وصلى أربع ركعات ينوي بها مما عليه ، لم تصح ( ولا ) تشترط نية ( قضاء في فائتة ) ; لأن كلا منهما يستعمل بمعنى الآخر يقال : قضيت الدين وأديته ، وقال تعالى : { فإذا قضيتم مناسككم } أي أديتموها وتعيين الوقت ليس بمعتبر ، ولذلك لا يلزم من عليه فائتة تعيين يومها ، بل يكفيه كونها السابقة أو الحاضرة ،
فلو كان عليه ظهران فائتة وحاضرة وصلاهما ، ثم ذكر أنه ترك شرطا من أحدهما وجهلها لزمه ظهر واحدة ينوي بها ما عليه . وإن كان عليه ظهران فائتتان اعتبر تعيين السابقة للترتيب ، بخلاف المنذورتين ( و ) لا تشترط نية ( أداء ) في صلاة ( حاضرة ) لما تقدم ، .
( و ) لا نية ( فرضية في فرض ) ولا إعادة في معادة ونحوه ، [ ص: 177 ] كالتي قبلها ، لكن لو ظن أن عليه ظهرا فائتة فقضاها في وقت ظهر حاضرة ،
ثم بان أن لا قضاء عليه لم يجزئه عن الحاضرة ; لأنه لم ينوها ، ولو نوى ظهر اليوم في وقتها وعليه فائتة ، لم تجز عنها ولا يشترط في النية أيضا تعيين عدد الركعات بأن ينوي الفجر ركعتين والظهر أربعا ، لكن إن نوى الظهر مثلا : ثلاثا أو خمسا لم تصح . ولا يشترط أيضا ، ولا إضافة الفعل لله تعالى ، بل يستحب بأن يقول : أصلي لله ; لأن العبادة لا تكون إلا لله ( وتصح نية ) صلاة ( فرض من قاعد ) ولو قدر على قيام ; لأن استصحاب النية عند الدخول في الصلاة كاف . نية الاستقبال
وكذا لو ونحوه ، ثم استقبل أو سترها أو ألقى النجاسة ونحوه ثم أحرم ، اكتفاء باستصحاب النية عند الدخول ( ويصح قضاء ) صلاة ( بنية أداء ) بها إذا بان خلاف ظنه . كما لو أحرم ظانا أن الشمس لم تطلع يصح أداء فبان طلوعها . صحت قضاء ( و ) يصح ( عكسه ) أي أداء بنية قضاء ( إذا بان خلاف ظنه ) بأن نوى عصرا قضاء ظانا غروب شمس ، فتبين عدمه . صحت أداء كالأسير إذا تحرى وصام ، فبان أنه وافق الشهر أو ما بعده ، ولأن كلا منهما يستعمل بمعنى الآخر ، كما تقدم و ( لا ) يصح ذلك ( إن علم بقاء الوقت ) أو خروجه ونوى خلافه وقصد معناه المصطلح عليه ; لأنه متلاعب ( وإن أحرم ) مصل ( بفرض ) كظهر ( في وقته المتسع ) له ولغيره ( ثم قلبه نفلا ) بأن فسخ نية الفرضية دون نية الصلاة ( صحت مطلقا ) أي سواء كان صلى الأكثر منها أو الأقل ، وسواء كان لغرض صحيح أو لا ; لأن النفل يدخل في نية الفرض أشبه ما لو أحرم بفرض فبان قبل وقته ، وكما لو قلبه لغرض صحيح . نوى غير مستقبل أو مكشوف العورة أو حامل نجاسة
وإن ضاق الوقت لزمه ابتداء فرضه ( وكره ) قلبه ( نفلا لغير غرض ) صحيح . فإن كان كمن أحرم منفردا ، ثم أقيمت الجماعة لم يكره أن يقلبه نفلا ليصلي معها . وعن : فيمن صلى ركعة من فرض منفردا ثم أقيمت الصلاة : أعجب إلي أن يقطعه ويدخل معهم ، وعلى هذا فقطع النفل أولى . أحمد
( وإن انتقل ) من أحرم بفرض كظهر ( إلى ) فرض ( آخر ) كعصر ( بطل فرضه ) الذي انتقل عنه ( وصار ) ما انتقل عنه ( نفلا إن استمر ) على حاله ; لأنه قطع نية الفرضية بنية انتقاله عنه دون نية الصلاة فتصير [ ص: 178 ] نفلا . ولا يصح الفرض الذي انتقل إليه ( إن لم ينو ) الفرض ( الثاني من أوله بتكبيرة إحرام ) لخلو أوله عن نية تعينه ،
( فإن نواه ) من أوله بتكبيرة إحرام ( صح ) كما لو لم يتقدمه إحرام بغيره ( ومن أتى بما يفسد الفرض فقط ) أي دون النفل ، كترك القيام بلا عذر ، وترك رجل ستر أحد عاتقيه ، وصلاة في الكعبة ، واقتداء مفترض بمتنفل وصبي ، وشرب يسير ونحوه معتقدا جوازه . وكان نوى الفرض ( انقلب ) فرضه ( نفلا ) ; لأنه كقطع نية الفرضية . فتبقى نية الصلاة ( وينقلب نفلا ما ) أي فرض ( بأن عدمه ك ) ما لو أحرم ( بفائتة ) يظنها عليه ،
فتبين أنه ( لم تكن ) عليه فائتة ( أو ) أحرم بفرض ثم تبين له أنه ( لم يدخل وقته ) ; لأن الفرض لم يصح ، ولم يوجد ما يبطل النفل ، ( وإن علم ) أن لا فائتة عليه أو أن الفرض لم يدخل وقته ونواه ( لم تنعقد ) صلاته ; لأنه متلاعب .