فصل في صلاة الخوف ومشروعيتها بالكتاب والسنة وتخصيصه صلى الله عليه وسلم بالخطاب لا يقتضي اختصاصه بالحكم لقوله تعالى : { لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة } الآية وأجمع الصحابة رضي الله عنهم على فعلها ، وصلاها علي وأبو موسى وأما تركه صلى الله عليه وسلم لها يوم وحذيفة الخندق فإنما كان قبل نزول الآية أو نسيانا ، أو لأنه لم يكن يومئذ قتال من يمنعه من صلاة الأمن ( تصح بقتال مباح ) لأنها رخصة . صلاة الخوف
فلا تستباح بالقتال المحرم كقتال من أهل بغي وقطاع طريق ( ولو حضرا ) لأن المبيح الخوف لا السفر ( مع خوف هجم العدو ) لقوله تعالى : { إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا } الآية .
( و ) تصح ( في سفر على ستة أوجه ) قال : أحمد . صح عن النبي صلى الله عليه وسلم صلاة الخوف من خمسة أوجه أو ستة ، وفي رواية أخرى : من ستة أوجه أو سبعة
قال : قلت الأثرم لأبي عبد الله : تقول بالأحاديث كلها ، أم تختار واحدا منها ؟ قال : أنا أقول : من ذهب إليها كلها فحسن ، وأما حديث سهل فأنا أختاره ( الأول ) من الوجوه ( يرى ) المسلمين ( ولم يخف ) بالبناء للمفعول فيها ( كمين ) يأتي من خلف المسلمين أي قوم يكمنون في الحرب ( صفهم ) أي المسلمين ( الإمام صفين فأكثر وأحرم بالجميع ) من الصفوف . إذا كان العدو جهة القبلة
( فإذا سجد ) الإمام ( سجد معه الصف المقدم وحرس ) الصف ( الآخر حتى يقوم الإمام إلى ) الركعة ( الثانية فيسجد ) الصف ( الحارس ويلحقه ) أي الإمام ( ثم الأولى وتأخر ) الصف ( المقدم ) الساجد مع الإمام ( وتقدم ) الصف ( المؤخر ) الساجد بعده ليحصل التعادل بينهما في فضيلة الموقف ( ثم في ) الركعة ( الثانية ) يسجد معه الحارس في الأولى و ( يحرس الساجد معه أولا ) أي في الركعة الأولى [ ص: 302 ]
( ثم يلحقه ) أي الإمام ( في التشهد فيسلم ) الإمام ( بجميعهم ) لحديث قال : { جابر } رواه شهدت مع النبي صلى الله عليه وسلم صلاة الخوف فصفنا خلفه صفين ، والعدو بيننا وبين القبلة ، فكبر النبي صلى الله عليه وسلم فكبرنا جميعا ، ثم ركع وركعنا جميعا ، ثم رفع رأسه من الركوع ورفعنا جميعا ، ثم انحدر بالسجود والصف الذي يليه ، وقام الصف المؤخر في نحر العدو ، فلما قضى النبي صلى الله عليه وسلم السجود قام الصف الذي يليه وانحدر الصف المؤخر بالسجود وقاموا . ثم تقدم الصف المؤخر ، وتأخر الصف المقدم ، ثم ركع وركعنا جميعا ثم رفع رأسه من الركوع ورفعنا جميعا ثم انحدر بالسجود والصف الذي يليه الذي كان مؤخرا في الركعة الأولى وقام الصف المؤخر في نحر العدو ، فلما قضى النبي صلى الله عليه وسلم السجود بالصف الذي يليه انحدر الصف المؤخر بالسجود فسجدوا ، ثم سلم النبي صلى الله عليه وسلم وسلمنا جميعا مسلم بعضه ورواهما وللبخاري أحمد وأبو داود من حديث ابن عياش الزرقي قال : { بعسفان ومرة بأرض بني سليم } فصلاها النبي صلى الله عليه وسلم مرتين مرة
( ويجوز جعلهم ) أي المسلمين ( صفا ) واحدا ( ويحرس بعضه ) في الأولى والباقي في الثانية ، لأن تعدد الصف لا أثر له في حراسة المسلمين ولا في إنكاء العدو و ( لا ) يجوز ( حرس صف في الركعتين ) لأنه ظلم بتركهم السجود مع الإمام في الركعتين .
الوجه ( أو ) كان ( بها ) أي جهة القبلة ( ولم ير ) أي يره المسلمون كلهم ، أو بها ويرى ويخاف كمين ( قسمهم ) أي المسلمين الإمام ( طائفتين تكفي كل طائفة ) منهم ( العدو ) زاد ( الثاني : إذا كان ) العدو ( بغير جهتها ) أي القبلة : بحيث يحرم فرارها ( طائفة ) منهم تذهب حذو العدو ( وتحرس ) المسلمين ( وهي ) أي الطائفة الحارسة ( مؤتمة به ) أي الإمام حكما ( في كل صلاته ) لأنها من حيث ترجع من الحراسة ، وتحرم لا تفارق الإمام حتى يسلم بها . أبو المعالي
والمراد بعد دخولها معه لا قبله ، كما نبه عليه الحجاوي في حاشية التنقيح ( وتسجد معه ) أي الإمام ( لسهوه ) ولو في الأولى قبل دخولها ، لا لسهوها إن سهت ، لتحمل الإمام له ( وطائفة ) يحرم بها ، و ( يصلي بها ركعة ) وهي الأولى من صلاته ، ثم تفارقه كما يأتي ( وهي ) أي الطائفة التي يصلي بها الركعة الأولى ( مؤتمة ) به ( فيها ) أي [ ص: 303 ] في الركعة الأولى ( إذا فرغت ) أي أتمت صلاتها .
( فإذا استتم ) الإمام ( قائما إلى ) الركعة ( الثانية نوت ) الطائفة التي صلى بها الركعة الأولى ( المفارقة ) له ( وأتمت ) صلاتها ( لنفسها ) منفردة ( وسلمت ومضت تحرس ) مكان الطائفة الحارسة قبلها ( ويبطلها ) أي صلاة الطائفة التي صلى بها الركعة الأولى ( مفارقته ) أي الإمام ( قبل قيامه ) إلى الركعة الثانية ( بلا عذر ) لها في مفارقته ، لتركها المتابعة بلا عذر ( ويطيل ) الإمام ( قراءته ) في الركعة الثانية ( حتى تحضر ) الطائفة ( الأخرى ) التي كانت تحرس ( فتصلي معه ) بعد إحرامها الركعة ( الثانية ) ولا يركع بعد إحرامها ، حتى تقرأ قدر الفاتحة وسورة ،
ويكفي إدراكها الركوع ، ويكره تأخيره القراءة إلى مجيئها .
( و ) إذا فرغ منها وجلس للتشهد انتظرها ( يكرر التشهد حتى تأتي بركعة ، و ) حتى ( تتشهد فيسلم بها ) ولا يسلم قبلهم لقوله تعالى : { ولتأت طائفة أخرى لم يصلوا فليصلوا معك } فيدل على أن صلاتهم كلها معه ، وتحصل المعادلة بينهما فإن الأولى أدركت معه فضيلة الإحرام والثانية فضيلة السلام .
وهذا الوجه متفق عليه من حديث صالح بن خوات بن جبير { } وصح عن عمن صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم يوم ذات الرقاع صلاة الخوف أن طائفة صفت معه وطائفة وجاه العدو ، فصلى بالتي معه ركعة ثم ثبت قائما ، وأتموا لأنفسهم ، ثم انصرفوا وصفوا وجاه العدو ، وجاءت الطائفة الأخرى فصلى بهم الركعة التي بقيت من صلاته ثم ثبت جالسا وأتموا لأنفسهم ثم سلم بهم صالح بن خوات عن سهل بن أبي حثمة مرفوعا .
وهذا الحديث هو الذي أشار إليه : أنه اختاره لأنه أنكأ للعدو ، وأقل أفعالا ، وأشبه بكتاب الله تعالى ، وأحوط للصلاة والحرب ( وإن أحمد جاز ) نصا ، لعموم الآية . أحب ) الإمام ( ذا الفعل ) أي الصلاة على هذه الصفة ( مع رؤية العدو
( وإن انتظرها ) أي الطائفة الثانية الإمام ( جالسا بلا عذر ) له في الجلوس بطلت صلاته لأنه زاد جلوسا في غير محله ( وإن ائتمت به مع العلم ) ببطلان صلاته ( بطلت ) صلاتهم ، أي لم تنعقد لاقتدائهم في صلاة باطلة ، فإن لم يعلموا ، فظاهره : تصح لهم للعذر ( ويجوز أن تترك ) الطائفة ( الحارسة الحراسة بلا إذن ) الإمام .
( و ) تأتي ( تصلي ) معه ( لمدد تحققت غناءه ) [ ص: 304 ] أي إجزاءه ( عنها ) لحصول الغرض ، وإن غلب على ظنها الغنى أو شكت فيه لم يجز ، قاله في تصحيح الفروع ( ولو خاطر أقل ممن شرطنا ) بأن كانت كل طائفة لا تكفي العدو ( وتعمدوا الصلاة على هذه الصفة صحت ) صلاتهم لأن التحريم لم يعد إلى شرط الصلاة ، بل إلى المخاطرة بهم كترك حمل سلاح مع حاجة ( ويصلي ) إمام ( المغرب بطائفة ركعتين ، و ) بالطائفة ( الأخرى ركعة ) لأنه إذا لم يكن بد من تفضيل فالأولى أحق به .
وما فات الثانية ينجبر بإدراكها معه السلام ( ولا تتشهد ) الثانية بعد صلاتها ( معه ) الركعة الثالثة ( عقبها ) لأنه ليس محل تشهدها ، بل تقوم لقضاء ما فاتها ( ويصح عكسها ) أي أن يصلي بالأولى ركعة وبالثانية ركعتين نصا .
وروي عن لأن الأولى أدركت معه فضيلة الإحرام فيجبر الثانية بزيادته الركعات ، لكن الأولى أولى ; لأن الثانية تفعل جميع صلاتها في حكم الائتمام والأولى في حكم الانفراد . علي
( و ) يصلي إمام ( الرباعية التامة ) أي لا قصر فيها ( بكل طائفة ركعتين ) تعديلا بينهما ( ويصح ) أن يصلي الرباعية التامة ( بطائفة ) منهم ( ركعة و ) بطائفة ( أخرى ثلاثا ) لحصول المطلوب من الصلاة بالطائفتين .
( وتفارقه ) الطائفة ( الأولى ) إذا صلى بها ركعتين من مغرب ، أو رباعية تامة ( عند فراغ التشهد ) الأول ( وينتظر ) الطائفة ( الثانية جالسا يكرره ) أي التشهد الأول إلى أن تحضر الطائفة الثانية ( فإذا أتت قام ) لتدرك معه جميع الركعة الثالثة ، ولأن الجلوس أخف على الإمام ، ولئلا يحتاج إلى قراءة السورة في الثالثة وهو خلاف السنة .
قال : تحرم معه ، ثم ينهض بهم ( وتتم ) الطائفة ( الأولى ) التي أدركت الأوليين ( بالفاتحة فقط و ) تتم الطائفة ( الأخرى بسورة معها ) أي الفاتحة لأن ما تقضيه أول صلاتها ، وتستفتح فيه وتتعوذ ، ويكرر التشهد حتى تفرغ ويسلم بها ( وإن فرقهم ) أي الإمام المصلين ( أربعا صلى ) الرباعية التامة ( بكل طائفة ركعة ) أو فرقهم ثلاثا ، وصلى المغرب بكل طائفة ركعة أو بالأولى ركعتين ، وبالباقيتين ركعة ركعة من رباعية ( صحت صلاة ) الطائفتين ( الأوليين ) لأنهما فارقتاه قبل بطلان صلاته بالانتظار الثالث لعدم وروده . أبو المعالي
و ( لا ) تصح صلاة ( الإمام ) لأنه زاد انتظارا لم يرد به الشرع أشبه ما لو [ ص: 305 ] فعله لغير خوف ( و ) لا صلاة الطائفتين ( الأخريين ) لأنهما ائتما بمن صلاته باطلة ( إلا إن جهلوا البطلان ) أي بطلان صلاة الإمام فإن جهلوه صحت لهم لأنه مما يخفى ، وكمن ائتم بمحدث لا يعلم حدثه ويجوز خفاؤه على الإمام أيضا
الوجه ( الثالث : أن ) يقسمهم طائفتين كما تقدم ، طائفة تحرس ، و ( يصلي ) الإمام ( بطائفة ركعة ثم تمضي ) فتحرس مكان الأخرى ( ثم ) يصلي ( بالأخرى ) الحارسة إذا أتت ( ركعة ، ثم تمضي ) فتحرس ( ويسلم ) إمام ( وحده ، ثم تأتي ) الطائفة ( الأولى ) التي صلت مع الإمام الركعة الأولى ( فتتم صلاتها بقراءة ) سورة بعد الفاتحة ، وتسلم وتمضي لتحرس ( ثم ) تأتي ( الأخرى فتفعل ) كذلك ( وإن أتمتها ) أي الصلاة الطائفة ( الثانية عقب مفارقتها ) إذا سلم الإمام ( ومضت ) تحرس ( ثم أتت الأولى فأتمت ) صلاتها ( كان ) ذلك ( أولى ) لخبر . ابن مسعود
ووجه الأول حديث قال : { ابن عمر } متفق عليه . صلى النبي صلى الله عليه وسلم صلاة الخوف بإحدى الطائفتين ركعة وسجدتين ، والأخرى مواجهة العدو ، ثم انصرفوا وقاموا في مقام أصحابهم مقبلين على العدو ، وجاء أولئك فصلى بهم النبي صلى الله عليه وسلم ركعة ، ثم سلم ، ثم قضى هؤلاء ركعة وهؤلاء ركعة
الوجه ( الرابع : أن { } رواه يصلي الإمام بكل طائفة من الطائفتين صلاة يسلم بها أي بكل طائفة أحمد وأبو داود عن والنسائي أبي بكرة مرفوعا ، عن والشافعي مرفوعا وغايته : اقتداء المفترضين بالمتنفل وهو مغتفر هنا جابر
الوجه ( الخامس : أن يصلي ) الإمام ( الرباعية الجائز قصرها ) لكونهم مسافرين ( تامة بكل طائفة ركعتين بلا قضاء ) من الطائفتين ( فتكون له ) أي الإمام ( تامة ولهم مقصورة ) لحديث قال : { جابر } متفق عليه أقبلنا مع النبي صلى الله عليه وسلم حتى إذا كنا بذات الرقاع قال : فنودي بالصلاة فصلى بطائفة ركعتين ، ثم تأخروا وصلى بالطائفة الأخرى ركعتين ، قال : فكانت له صلى الله عليه وسلم أربع ركعات ، وللقوم ركعتان
الوجه ( السادس : ومنعه الأكثر ) من الأصحاب ( أن يصلي ) الإمام الرباعية الجائز قصرها ( بكل طائفة ركعة بلا قضاء ) على الطائفتين كصلاته صلى الله عليه وسلم في خبر ابن عباس وحذيفة وغيرهم وهذا ظاهر كلام وزيد بن ثابت . أحمد
قال : ما يروى [ ص: 306 ] عن النبي صلى الله عليه وسلم كلها صحاح ، يقول : ركعة ركعة ، إلا أنه كان للنبي صلى الله عليه وسلم ركعتان ، وللقوم ركعة ركعة ولم ينص على خلافه وللخوف والسفر قاله في الفروع وقال في الكافي : كلام الإمام ابن عباس يقتضي أن يكون من الوجوه الجائزة ، إلا أن أصحابه قالوا : لا تأثير للخوف في عدد الركعات . أحمد
وحملوا هذه الصفة على شدة الخوف . " تتمة " السابع من الأوجه التي أشار إليها : ما أخرجه عن أحمد مرفوعا { أبي هريرة } . أن تقوم معه طائفة وأخرى تجاه العدو وظهرها إلى القبلة ، ثم يحرم وتحرم معه الطائفتان ، ثم يصلي ركعة هو والذين معه ، ثم يقوم إلى الثانية ، ويذهب الذين معه إلى وجه العدو ، وتأتي الأخرى فتركع وتسجد ، ثم يصلي ويجلس ، وتأتي التي تجاه العدو فتركع وتسجد ويسلم بالجميع