ثم تختم السورة بتوكيد الخبر الصادق، وتسبيح الله الخالق:
nindex.php?page=treesubj&link=29027_30347nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=95إن هذا لهو حق اليقين. nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=96فسبح باسم ربك العظيم .. فيلتئم المطلع والختام أكمل التئام..
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=1إذا وقعت الواقعة. nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=2ليس لوقعتها كاذبة. nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=3خافضة رافعة. nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=4إذا رجت الأرض رجا. nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=5وبست الجبال بسا. nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=6فكانت هباء منبثا ... .
هذا المطلع واضح فيه التهويل في عرض هذا الحدث الهائل. وهو يتبع أسلوبا خاصا يلحظ فيه هذا المعنى، ويتناسق مع مدلولات العبارة. فمرتين يبدأ بإذا الشرطية يذكر شرطها ولا يذكر جوابها.
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=1إذا وقعت الواقعة. nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=2ليس لوقعتها كاذبة. nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=3خافضة رافعة .. ولا يقول: ماذا يكون إذا وقعت الواقعة وقعة صادقة ليس لها كاذبة، وهي خافضة رافعة. ولكن يبدأ حديثا جديدا:
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=4إذا رجت الأرض رجا. nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=5وبست الجبال بسا. nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=6فكانت هباء منبثا. .. ومرة أخرى لا يقول: ماذا يكون إذا كان هذا الهول العظيم.. فكأنما هذا الهول كله مقدمة، لا يذكر نتائجها، لأن نتائجها أهول من أن يحيط بها اللفظ، أو تعبر عنها العبارة!
هذا الأسلوب الخاص يتناسب مع الصورة المروعة المفزعة التي يرسمها هذا المطلع بذاته. فالواقعة بمعناها وبجرس اللفظ ذاته - بما فيه من مد ثم سكون - تلقى في الحس كأنما هي ثقل ضخم ينقض من عل ثم يستقر، لغير ما زحزحة بعد ذلك ولا زوال!
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=2ليس لوقعتها كاذبة ..
ثم إن سقوط هذا الثقل ووقوعه، كأنما يتوقع له الحس أرجحة ورجرجة يحدثها حين يقع. ويلبي السياق هذا التوقع فإذا هي:
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=3خافضة رافعة .. وإنها لتخفض أقدارا كانت رفيعة في الأرض، وترفع أقدارا كانت خفيضة في دار الفناء، حيث تختل الاعتبارات والقيم; ثم تستقيم في ميزان الله.
ثم يتبدى الهول في كيان هذه الأرض. الأرض الثابتة المستقرة فيما يحس الناس. فإذا هي ترج رجا - وهي حقيقة تذكر في التعبير الذي يتسق في الحس مع وقع الواقعة - ثم إذا الجبال الصلبة الراسية تتحول - تحت وقع الواقعة - إلى فتات يتطاير كالهباء..
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=5وبست الجبال بسا. nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=6فكانت هباء منبثا .. فما أهول هذا الهول الذي يرج الأرض رجا، ويبس الجبال بسا، ويتركها هباء منبثا. وما أجهل الذين يتعرضون له وهم مكذبون بالآخرة، مشركون بالله، وهذا أثره في الأرض والجبال!
وهكذا تبدأ السورة بما يزلزل الكيان البشري، ويهول الحس الإنساني، تجاه القضية التي ينكرها المنكرون،
[ ص: 3463 ] ويكذب بها المشركون. وينتهي هذا المشهد الأول للواقعة لنشهد آثارها في الخفض والرفع، وفي أقدار البشر ومصائرهم الأخيرة:
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=7وكنتم أزواجا ثلاثة. nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=8فأصحاب الميمنة. ما أصحاب الميمنة؟ nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=9وأصحاب المشأمة. nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=9ما أصحاب المشأمة؟ nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=10والسابقون السابقون ...
ونجد الناس هنا أصنافا ثلاثة - لا صنفين اثنين كما هو السائد في مشاهد الاستعراض القرآنية - ويبدأ بالحديث عن أصحاب الميمنة - أو أصحاب اليمين - ولكنه لا يفصل عنهم الحديث إنما يصفهم باستفهام عنهم للتهويل والتضخيم:
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=8فأصحاب الميمنة. ما أصحاب الميمنة؟ . وكذلك يذكر أصحاب المشأمة بنفس الأسلوب. ثم يذكر الفريق الثالث، فريق السابقين، يذكرهم فيصفهم بوصفهم:
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=10والسابقون السابقون .. كأنما ليقول إنهم هم هم. وكفى. فهو مقام لا يزيده الوصف شيئا!
ومن ثم يأخذ في بيان قدرهم عند ربهم، وتفصيل ما أعده من النعيم لهم، وتعديد أنواعه التي يمكن أن يدركها حس المخاطبين، وتتناوله معارفهم وتجاربهم:
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=11أولئك المقربون. nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=12في جنات النعيم. nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=13ثلة من الأولين. nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=14وقليل من الآخرين. nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=15على سرر موضونة. nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=16متكئين عليها متقابلين. nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=17يطوف عليهم ولدان مخلدون. nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=18بأكواب وأباريق وكأس من معين. nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=19لا يصدعون عنها ولا ينزفون. nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=20وفاكهة مما يتخيرون. nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=21ولحم طير مما يشتهون. nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=22وحور عين. nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=23كأمثال اللؤلؤ المكنون. nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=24جزاء بما كانوا يعملون. nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=25لا يسمعون فيها لغوا ولا تأثيما. nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=26إلا قيلا: سلاما سلاما ..
إنه يبدأ في بيان هذا النعيم، بالنعيم الأكبر. النعيم الأسنى. نعيم القرب من ربهم:
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=11أولئك المقربون nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=12في جنات النعيم .. وجنات النعيم كلها لا تساوي ذلك التقريب، ولا تعدل ذلك النصيب.
ومن ثم يقف عند هذه الدرجة ليقول من هم أصحابها.. إنهم:
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=13ثلة من الأولين nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=14وقليل من الآخرين .. فهم عدد محدود. وفريق منتقى. كثرتهم في الأولين وقلتهم في الآخرين. واختلفت الروايات في من هم الأولون ومن هم الآخرون. فالقول الأول: إن الأولين هم السابقون إلى الإيمان ذوو الدرجة العالية فيه من الأمم السابقة قبل الإسلام. وإن الآخرين هم السابقون إلى الإسلام ذوو البلاء فيه.. والقول الثاني: إن الأولين والآخرين هم من أمة
محمد - صلى الله عليه وسلم - فالأولون من صدرها، والآخرون من متأخريها. وهذا القول الثاني رجحه
ابن كثير. وروى في ترجيحه
nindex.php?page=showalam&ids=14102للحسن nindex.php?page=showalam&ids=16972وابن سيرين: قال
nindex.php?page=showalam&ids=11970ابن أبي حاتم: حدثنا
الحسن بن محمد ابن الصباح، حدثنا
عفان، حدثنا
عبد الله بن أبي بكر المزني، سمعت
nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن أتى على هذه الآية:
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=10والسابقون السابقون nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=11أولئك المقربون فقال: "أما السابقون فقد مضوا ولكن اللهم اجعلنا من أصحاب اليمين".. ثم قال: حدثنا أبي، حدثنا
أبو الوليد، حدثنا
السري بن يحيى. قال: قرأ
nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن: "
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=10والسابقون السابقون. nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=11أولئك المقربون nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=12في جنات النعيم. nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=13ثلة من الأولين .. قال: ثلة ممن مضى من هذه الأمة".. وحدثنا أبي، حدثنا
عبد العزيز بن المغيرة المنقري، حدثنا
أبو هلال، عن
nindex.php?page=showalam&ids=16972محمد بن سيرين، أنه قال في هذه الآية:
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=13ثلة من الأولين، nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=14وقليل من الآخرين .. قال: كانوا يقولون، أو يرجون، أن يكونوا كلهم من هذه الأمة.
وبعد بيان من هم يأخذ في تفصيل مناعم الجنة التي أعدت لهم. وهي بطبيعة الحال المناعم التي في طوقهم أن يتصوروها ويدركوها; ووراءها مناعم أخرى يعرفونها هنالك يوم يتهيأون لإدراكها مما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر!
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=15على سرر موضونة .. مشبكة بالمعادن الثمينة.
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=16متكئين عليها متقابلين . في راحة وخلو بال من الهموم
[ ص: 3464 ] والمشاغل، وفي طمأنينة على ما هم فيه من نعيم، لا خوف من فوته ولا نفاده وفي إقبال بعضهم على بعض يتسامرون..
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=17يطوف عليهم ولدان مخلدون .. لا يفعل فيهم الزمن، ولا تؤثر في شبابهم وصباحتهم السن كأشباههم في الأرض. يطوفون عليهم
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=18بأكواب وأباريق وكأس من معين .. من خمر صافية سائغة
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=19لا يصدعون عنها ولا ينزفون .. فلا هم يفرقون عنها ولا هي تنفد من بين أيديهم. فكل شيء هنا للدوام والأمان.
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=20وفاكهة مما يتخيرون. nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=21ولحم طير مما يشتهون .. فهنا لا شيء ممنوع، ولا شيء على غير ما يشتهي السعداء الخالدون.
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=22وحور عين nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=23كأمثال اللؤلؤ المكنون .. واللؤلؤ المكنون هو اللؤلؤ المصون، الذي لم يتعرض للمس والنظر، فلم تثقبه يد ولم تخدشه عين! وفي هذا كناية عن معان حسية ونفسية لطيفة في هؤلاء الحور الواسعات العيون. وذلك كله:
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=24جزاء بما كانوا يعملون .. فهو مكافأة على عمل كان في دار العمل. مكافأة يتحقق فيها الكمال الذي كان ينقص كل المناعم في دار الفناء. ثم هم بعد ذلك كله يحيون في هدوء وسكون، وفي ترفع وتنزيه عن كل لغو في الحديث، وكل جدل وكل مؤاخذة:
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=25لا يسمعون فيها لغوا ولا تأثيما. nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=26إلا قيلا: سلاما سلاما .. حياتهم كلها سلام. يرف عليها السلام. ويشيع فيها السلام. تسلم عليهم الملائكة في ذلك الجو الناعم الآمن; ويسلم بعضهم على بعض. ويبلغهم السلام من الرحمن. فالجو كله سلام سلام..
فإذا انتهى الحديث عن ذلك الفريق السابق المختار، بدأ الحديث عن الفريق الذي يليه: فريق أصحاب اليمين:
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=27وأصحاب اليمين. ما أصحاب اليمين؟ nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=28في سدر مخضود، nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=29وطلح منضود. nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=30وظل ممدود. nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=31وماء مسكوب. nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=32وفاكهة كثيرة nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=33لا مقطوعة ولا ممنوعة. nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=34وفرش مرفوعة. nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=35إنا أنشأناهن إنشاء. nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=36فجعلناهن أبكارا. nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=37عربا أترابا. nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=38لأصحاب اليمين. nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=39ثلة من الأولين. nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=40وثلة من الآخرين ..
وأصحاب اليمين هم أصحاب الميمنة الذين أشار إليهم تلك الإشارة المجملة في أول السورة. ثم أخر تفصيل نعيمهم، إلى موعده هنا بعد السابقين المقربين. وهو يعيد السؤال عنهم بتلك الصيغة التي تفيد التفخيم والتهويل:
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=27ما أصحاب اليمين؟ ..
ولأصحابنا هؤلاء نعيم مادي محسوس، يبدو في أوصافه شيء من خشونة البداوة، ويلبي هواتف أهل البداوة حسبما تبلغ مداركهم وتجاربهم من تصور ألوان النعيم!
إنهم
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=28في سدر مخضود .. والسدر شجر النبق الشائك. ولكنه هنا مخضود شوكه ومنزوع.
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=29وطلح منضود .. والطلح شجر من شجر الحجاز من نوع العضاه فيه شوك. ولكنه هنا منضود معد للتناول بلا كد ولا مشقة.
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=30وظل ممدود، nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=31وماء مسكوب .. وتلك جميعا من مراتع البدوي ومناعمه، كما يطمح إليها خياله وتهتف بها أشواقه!
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=32وفاكهة كثيرة. nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=33لا مقطوعة ولا ممنوعة .. تركها مجملة شاملة بغير تفصيل بعد ما ذكر الأنواع المعروفة لسكان البادية بالتعيين.
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=34وفرش مرفوعة .. وهي هنا لا موضونة ولا ناعمة. وبحسبها أنها مرفوعة. وللرفع في الحس معنيان. مادي ومعنوي يستدعي أحدهما الآخر، ويلتقيان عند الارتفاع في المكان والطهارة من الدنس. فالمرفوع عن الأرض أبعد عن نجسها. والمرفوع في المعنى أبعد عن دنسها. ولهذا ينتقل السياق من الفرش المرفوعة إلى ذكر من فيها من الأزواج:
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=35إنا أنشأناهن إنشاء إما ابتداء وهن الحور. وإما استئنافا وهن الزوجات المبعوثات شواب:
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=36فجعلناهن أبكارا لم يمسسن
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=37عربا .. متحببات إلى أزواجهن
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=37أترابا متوافيات السن والشباب.
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=38لأصحاب اليمين .. مخصصات لهم. ليتسق ذلك مع "الفرش المرفوعة"..
فأما أصحاب اليمين هؤلاء فهم
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=39ثلة من الأولين nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=40وثلة من الآخرين .. فهم أكثر عددا من السابقين المقربين.
[ ص: 3465 ] على الاعتبارين اللذين ذكرناهما في معنى الأولين والآخرين.
ثُمَّ تُخْتَمُ السُّورَةُ بِتَوْكِيدِ الْخَبَرِ الصَّادِقِ، وَتَسْبِيحِ اللَّهِ الْخَالِقِ:
nindex.php?page=treesubj&link=29027_30347nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=95إِنَّ هَذَا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ. nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=96فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ .. فَيَلْتَئِمُ الْمَطْلَعُ وَالْخِتَامُ أَكْمَلَ الْتِئَامٍ..
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=1إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ. nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=2لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ. nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=3خَافِضَةٌ رَافِعَةٌ. nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=4إِذَا رُجَّتِ الأَرْضُ رَجًّا. nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=5وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسًّا. nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=6فَكَانَتْ هَبَاءً مُنْبَثًّا ... .
هَذَا الْمَطْلَعُ وَاضِحٌ فِيهِ التَّهْوِيلُ فِي عَرْضِ هَذَا الْحَدَثِ الْهَائِلِ. وَهُوَ يَتْبَعُ أُسْلُوبًا خَاصًّا يَلْحَظُ فِيهِ هَذَا الْمَعْنَى، وَيَتَنَاسَقُ مَعَ مَدْلُولَاتِ الْعِبَارَةِ. فَمَرَّتَيْنِ يَبْدَأُ بِإِذَا الشَّرْطِيَّةِ يَذْكُرُ شَرْطَهَا وَلَا يَذْكُرُ جَوَابَهَا.
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=1إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ. nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=2لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ. nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=3خَافِضَةٌ رَافِعَةٌ .. وَلَا يَقُولُ: مَاذَا يَكُونُ إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ وَقْعَةً صَادِقَةً لَيْسَ لَهَا كَاذِبَةٌ، وَهِيَ خَافِضَةٌ رَافِعَةٌ. وَلَكِنْ يَبْدَأُ حَدِيثًا جَدِيدًا:
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=4إِذَا رُجَّتِ الأَرْضُ رَجًّا. nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=5وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسًّا. nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=6فَكَانَتْ هَبَاءً مُنْبَثًّا. .. وَمَرَّةً أُخْرَى لَا يَقُولُ: مَاذَا يَكُونُ إِذَا كَانَ هَذَا الْهَوْلُ الْعَظِيمُ.. فَكَأَنَّمَا هَذَا الْهَوْلُ كُلُّهُ مُقَدِّمَةً، لَا يَذْكُرُ نَتَائِجَهَا، لِأَنَّ نَتَائِجَهَا أَهْوَلُ مِنْ أَنْ يُحِيطَ بِهَا اللَّفْظُ، أَوْ تُعَبِّرَ عَنْهَا الْعِبَارَةُ!
هَذَا الْأُسْلُوبُ الْخَاصُّ يَتَنَاسَبُ مَعَ الصُّورَةِ الْمُرَوِّعَةِ الْمُفْزِعَةِ الَّتِي يَرْسُمُهَا هَذَا الْمَطْلَعُ بِذَاتِهِ. فَالْوَاقِعَةُ بِمَعْنَاهَا وَبِجَرْسِ اللَّفْظِ ذَاتِهِ - بِمَا فِيهِ مِنْ مَدٍّ ثُمَّ سُكُونٍ - تُلْقَى فِي الْحِسِّ كَأَنَّمَا هِيَ ثِقْلٌ ضَخْمٌ يَنْقَضُّ مِنْ عَلٍ ثُمَّ يَسْتَقِرُّ، لِغَيْرِ مَا زَحْزَحَةٍ بَعْدَ ذَلِكَ وَلَا زَوَالٍ!
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=2لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ ..
ثُمَّ إِنَّ سُقُوطَ هَذَا الثِّقْلِ وَوُقُوعَهُ، كَأَنَّمَا يَتَوَقَّعُ لَهُ الْحِسُّ أَرْجَحَةً وَرَجْرَجَةً يُحْدِثُهَا حِينَ يَقَعُ. وَيُلَبِّي السِّيَاقُ هَذَا التَّوَقُّعَ فَإِذَا هِيَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=3خَافِضَةٌ رَافِعَةٌ .. وَإِنَّهَا لَتَخْفِضُ أَقْدَارًا كَانَتْ رَفِيعَةً فِي الْأَرْضِ، وَتَرْفَعُ أَقْدَارًا كَانَتْ خَفِيضَةً فِي دَارِ الْفَنَاءِ، حَيْثُ تَخْتَلُّ الِاعْتِبَارَاتُ وَالْقِيَمُ; ثُمَّ تَسْتَقِيمُ فِي مِيزَانِ اللَّهِ.
ثُمَّ يَتَبَدَّى الْهَوْلُ فِي كِيَانِ هَذِهِ الْأَرْضِ. الْأَرْضِ الثَّابِتَةِ الْمُسْتَقِرَّةِ فِيمَا يُحِسُّ النَّاسُ. فَإِذَا هِيَ تُرَجُّ رَجًّا - وَهِيَ حَقِيقَةُ تُذْكَرُ فِي التَّعْبِيرِ الَّذِي يَتَّسِقُ فِي الْحِسِّ مَعَ وَقْعِ الْوَاقِعَةِ - ثُمَّ إِذَا الْجِبَالُ الصُّلْبَةُ الرَّاسِيَةُ تَتَحَوَّلُ - تَحْتَ وَقْعِ الْوَاقِعَةِ - إِلَى فُتَاتٍ يَتَطَايَرُ كَالْهَبَاءِ..
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=5وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسًّا. nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=6فَكَانَتْ هَبَاءً مُنْبَثًّا .. فَمَا أَهْوَلَ هَذَا الْهَوْلَ الَّذِي يَرُجُّ الْأَرْضَ رَجًّا، وَيَبُسُّ الْجِبَالَ بَسًّا، وَيَتْرُكُهَا هَبَاءً مُنْبَثًّا. وَمَا أَجْهَلَ الَّذِينَ يَتَعَرَّضُونَ لَهُ وَهُمْ مُكَذِّبُونَ بِالْآخِرَةِ، مُشْرِكُونَ بِاللَّهِ، وَهَذَا أَثَرُهُ فِي الْأَرْضِ وَالْجِبَالِ!
وَهَكَذَا تَبْدَأُ السُّورَةُ بِمَا يُزَلْزِلُ الْكِيَانَ الْبَشَرِيَّ، وَيُهَوِّلُ الْحِسَّ الْإِنْسَانِيَّ، تُجَاهَ الْقَضِيَّةِ الَّتِي يُنْكِرُهَا الْمُنْكِرُونَ،
[ ص: 3463 ] وَيُكَذِّبُ بِهَا الْمُشْرِكُونَ. وَيَنْتَهِي هَذَا الْمَشْهَدُ الْأَوَّلُ لِلْوَاقِعَةِ لِنَشْهَدَ آثَارَهَا فِي الْخَفْضِ وَالرَّفْعِ، وَفِي أَقْدَارِ الْبَشَرِ وَمَصَائِرِهِمُ الْأَخِيرَةِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=7وَكُنْتُمْ أَزْوَاجًا ثَلاثَةً. nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=8فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ. مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ؟ nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=9وَأَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ. nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=9مَا أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ؟ nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=10وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ ...
وَنَجْدُ النَّاسَ هُنَا أَصْنَافًا ثَلَاثَةً - لَا صِنْفَيْنِ اثْنَيْنِ كَمَا هُوَ السَّائِدُ فِي مَشَاهِدِ الِاسْتِعْرَاضِ الْقُرْآنِيَّةِ - وَيَبْدَأُ بِالْحَدِيثِ عَنْ أَصْحَابِ الْمَيْمَنَةِ - أَوْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ - وَلَكِنَّهُ لَا يُفَصِّلُ عَنْهُمُ الْحَدِيثَ إِنَّمَا يَصِفُهُمْ بِاسْتِفْهَامٍ عَنْهُمْ لِلتَّهْوِيلِ وَالتَّضْخِيمِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=8فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ. مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ؟ . وَكَذَلِكَ يَذْكُرُ أَصْحَابَ الْمَشْأَمَةِ بِنَفْسِ الْأُسْلُوبِ. ثُمَّ يَذْكُرُ الْفَرِيقَ الثَّالِثَ، فَرِيقَ السَّابِقَيْنِ، يَذْكُرُهُمْ فَيَصِفُهُمْ بِوَصْفِهِمْ:
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=10وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ .. كَأَنَّمَا لَيَقُولُ إِنَّهُمْ هُمْ هُمْ. وَكَفَى. فَهُوَ مَقَامٌ لَا يَزِيدُهُ الْوَصْفُ شَيْئًا!
وَمِنْ ثَمَّ يَأْخُذُ فِي بَيَانِ قَدْرِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ، وَتَفْصِيلِ مَا أَعَدَّهُ مِنَ النَّعِيمِ لَهُمْ، وَتَعْدِيدِ أَنْوَاعِهِ الَّتِي يُمْكِنُ أَنْ يُدْرِكَهَا حِسُّ الْمُخَاطَبِينَ، وَتَتَنَاوَلَهُ مَعَارِفُهُمْ وَتَجَارِبُهُمْ:
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=11أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ. nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=12فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ. nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=13ثُلَّةٌ مِنَ الأَوَّلِينَ. nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=14وَقَلِيلٌ مِنَ الآخِرِينَ. nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=15عَلَى سُرُرٍ مَوْضُونَةٍ. nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=16مُتَّكِئِينَ عَلَيْهَا مُتَقَابِلِينَ. nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=17يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ. nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=18بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ. nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=19لا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلا يُنْزِفُونَ. nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=20وَفَاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ. nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=21وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ. nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=22وَحُورٌ عِينٌ. nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=23كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ. nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=24جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ. nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=25لا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلا تَأْثِيمًا. nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=26إِلا قِيلا: سَلامًا سَلامًا ..
إِنَّهُ يَبْدَأُ فِي بَيَانِ هَذَا النَّعِيمِ، بِالنَّعِيمِ الْأَكْبَرِ. النَّعِيمِ الْأَسْنَى. نَعِيمِ الْقُرْبِ مِنْ رَبِّهِمْ:
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=11أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=12فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ .. وَجَنَّاتُ النَّعِيمِ كُلُّهَا لَا تُسَاوِي ذَلِكَ التَّقْرِيبَ، وَلَا تَعْدِلُ ذَلِكَ النَّصِيبَ.
وَمِنْ ثَمَّ يَقِفُ عِنْدَ هَذِهِ الدَّرَجَةِ لِيَقُولَ مَنْ هُمْ أَصْحَابُهَا.. إِنَّهُمْ:
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=13ثُلَّةٌ مِنَ الأَوَّلِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=14وَقَلِيلٌ مِنَ الآخِرِينَ .. فَهُمْ عَدَدٌ مَحْدُودٌ. وَفَرِيقٌ مُنْتَقًى. كَثْرَتُهُمْ فِي الْأَوَّلِينَ وَقِلَّتُهُمْ فِي الْآخِرِينَ. وَاخْتَلَفَتِ الرِّوَايَاتُ فِي مَنْ هُمُ الْأَوَّلُونَ وَمَنْ هُمُ الْآخِرُونَ. فَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ: إِنَّ الْأَوَّلِينَ هُمُ السَّابِقُونَ إِلَى الْإِيمَانِ ذَوُو الدَّرَجَةِ الْعَالِيَةِ فِيهِ مِنَ الْأُمَمِ السَّابِقَةِ قَبْلَ الْإِسْلَامِ. وَإِنَّ الْآخَرِينَ هُمُ السَّابِقُونَ إِلَى الْإِسْلَامِ ذَوُو الْبَلَاءِ فِيهِ.. وَالْقَوْلُ الثَّانِي: إِنَّ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ هُمْ مِنْ أُمَّةِ
مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَالْأَوَّلُونَ مِنْ صَدْرِهَا، وَالْآخَرُونَ مِنْ مُتَأَخَّرِيهَا. وَهَذَا الْقَوْلُ الثَّانِي رَجَّحَهُ
ابْنُ كَثِيرٍ. وَرَوَى فِي تَرْجِيحِهِ
nindex.php?page=showalam&ids=14102لِلْحَسَنِ nindex.php?page=showalam&ids=16972وَابْنِ سَيْرَيْنَ: قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11970ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثْنَا
الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ ابْنِ الصَّبَاحِ، حَدَّثَنَا
عَفَّانُ، حَدَّثَنَا
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الْمُزَنِيُّ، سَمِعْتُ
nindex.php?page=showalam&ids=14102الْحَسَنَ أَتَى عَلَى هَذِهِ الْآيَةِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=10وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=11أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ فَقَالَ: "أَمَّا السَّابِقُونَ فَقَدْ مَضَوْا وَلَكِنِ اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ".. ثُمَّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا
أَبُو الْوَلِيدِ، حَدَّثَنَا
السُّرِّيُّ بْنُ يَحْيَى. قَالَ: قَرَأَ
nindex.php?page=showalam&ids=14102الْحَسَنُ: "
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=10وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ. nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=11أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=12فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ. nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=13ثُلَّةٌ مِنَ الأَوَّلِينَ .. قَالَ: ثُلَّةٌ مِمَّنْ مَضَى مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ".. وَحَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا
عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ الْمُغِيرَةِ الْمُنْقِرِيُّ، حَدَّثَنَا
أَبُو هِلَالٍ، عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=16972مُحَمَّدِ بْنِ سَيَرَيْنَ، أَنَّهُ قَالَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=13ثُلَّةٌ مِنَ الأَوَّلِينَ، nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=14وَقَلِيلٌ مِنَ الآخِرِينَ .. قَالَ: كَانُوا يَقُولُونَ، أَوْ يَرْجُونَ، أَنْ يَكُونُوا كُلُّهُمْ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ.
وَبَعْدَ بَيَانِ مَنْ هُمْ يَأْخُذُ فِي تَفْصِيلِ مَنَاعِمِ الْجَنَّةِ الَّتِي أُعِدَّتْ لَهُمْ. وَهِيَ بِطَبِيعَةِ الْحَالِ الْمَنَاعَمُ الَّتِي فِي طَوْقِهِمْ أَنْ يَتَصَوَّرُوهَا وَيُدْرِكُوهَا; وَوَرَاءَهَا مَنَاعِمُ أُخْرَى يَعْرِفُونَهَا هُنَالِكَ يَوْمَ يَتَهَيَّأُونَ لِإِدْرَاكِهَا مِمَّا لَا عَيْنٌ رَأَتْ وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ!
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=15عَلَى سُرُرٍ مَوْضُونَةٍ .. مُشَبَّكَةٍ بِالْمَعَادِنِ الثَّمِينَةِ.
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=16مُتَّكِئِينَ عَلَيْهَا مُتَقَابِلِينَ . فِي رَاحَةٍ وَخُلُوِّ بَالٍ مِنَ الْهُمُومِ
[ ص: 3464 ] وَالْمَشَاغِلِ، وَفِي طُمَأْنِينَةٍ عَلَى مَا هُمْ فِيهِ مِنْ نَعِيمٍ، لَا خَوْفَ مِنْ فَوْتِهِ وَلَا نَفَادِهِ وَفِي إِقْبَالِ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَامَرُونَ..
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=17يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ .. لَا يَفْعَلُ فِيهِمُ الْزَمْنُ، وَلَا تُؤَثِّرُ فِي شَبَابِهِمْ وَصَبَاحَتِهِمُ السِّنُّ كَأَشْبَاهِهِمْ فِي الْأَرْضِ. يَطُوفُونَ عَلَيْهِمْ
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=18بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ .. مِنْ خَمْرٍ صَافِيَةٍ سَائِغَةٍ
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=19لا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلا يُنْزِفُونَ .. فَلَا هُمْ يُفَرَّقُونَ عَنْهَا وَلَا هِيَ تَنْفَدُ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ. فَكُلُّ شَيْءٍ هُنَا لِلدَّوَامِ وَالْأَمَانِ.
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=20وَفَاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ. nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=21وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ .. فَهُنَا لَا شَيْءَ مَمْنُوعٌ، وَلَا شَيْءَ عَلَى غَيْرِ مَا يَشْتَهِي السُّعَدَاءُ الْخَالِدُونَ.
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=22وَحُورٌ عِينٌ nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=23كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ .. وَاللُّؤْلُؤُ الْمَكْنُونُ هُوَ اللُّؤْلُؤُ الْمَصُونُ، الَّذِي لَمْ يَتَعَرَّضْ لِلَّمْسِ وَالنَّظَرِ، فَلَمْ تَثْقُبْهُ يَدٌ وَلَمْ تَخْدِشْهُ عَيْنٌ! وَفِي هَذَا كِنَايَةٌ عَنْ مَعَانٍ حِسِّيَّةٍ وَنَفْسِيَّةٍ لَطِيفَةٍ فِي هَؤُلَاءِ الْحُورِ الْوَاسِعَاتِ الْعُيُونِ. وَذَلِكَ كُلُّهُ:
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=24جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ .. فَهُوَ مُكَافَأَةٌ عَلَى عَمَلٍ كَانَ فِي دَارِ الْعَمَلِ. مُكَافَأَةٌ يَتَحَقَّقُ فِيهَا الْكَمَالُ الَّذِي كَانَ يَنْقُصُ كُلَّ الْمَنَاعِمِ فِي دَارِ الْفَنَاءِ. ثُمَّ هُمْ بَعْدَ ذَلِكَ كُلِّهِ يَحْيَوْنَ فِي هُدُوءٍ وَسُكُونٍ، وَفِي تَرَفُّعٍ وَتَنْزِيهٍ عَنْ كُلِّ لَغْوٍ فِي الْحَدِيثِ، وَكُلِّ جَدَلٍ وَكُلِّ مُؤَاخَذَةٍ:
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=25لا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلا تَأْثِيمًا. nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=26إِلا قِيلا: سَلامًا سَلامًا .. حَيَاتُهُمْ كُلُّهَا سَلَامٌ. يَرِفُّ عَلَيْهَا السَّلَامُ. وَيَشِيعُ فِيهَا السَّلَامُ. تُسَلِّمُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ فِي ذَلِكَ الْجَوِّ النَّاعِمِ الْآمِنِ; وَيُسَلِّمُ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ. وَيَبْلُغُهُمُ السَّلَامُ مِنَ الرَّحْمَنِ. فَالْجَوُّ كُلُّهُ سَلَامٌ سَلَامٌ..
فَإِذَا انْتَهَى الْحَدِيثُ عَنْ ذَلِكَ الْفَرِيقِ السَّابِقِ الْمُخْتَارِ، بَدَأَ الْحَدِيثَ عَنِ الْفَرِيقِ الَّذِي يَلِيهِ: فَرِيقِ أَصْحَابِ الْيَمِينِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=27وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ. مَا أَصْحَابُ الْيَمِينِ؟ nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=28فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ، nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=29وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ. nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=30وَظِلٍّ مَمْدُودٍ. nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=31وَمَاءٍ مَسْكُوبٍ. nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=32وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=33لا مَقْطُوعَةٍ وَلا مَمْنُوعَةٍ. nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=34وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ. nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=35إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً. nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=36فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا. nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=37عُرُبًا أَتْرَابًا. nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=38لأَصْحَابِ الْيَمِينِ. nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=39ثُلَّةٌ مِنَ الأَوَّلِينَ. nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=40وَثُلَّةٌ مِنَ الآخِرِينَ ..
وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ هُمْ أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ الَّذِينَ أَشَارَ إِلَيْهِمْ تِلْكَ الْإِشَارَةَ الْمُجْمَلَةَ فِي أَوَّلِ السُّورَةِ. ثُمَّ أَخَّرَ تَفْصِيلَ نَعِيمِهِمْ، إِلَى مَوْعِدِهِ هُنَا بَعْدَ السَّابِقِينِ الْمُقَرَّبِينَ. وَهُوَ يُعِيدُ السُّؤَالَ عَنْهُمْ بِتِلْكَ الصِّيغَةِ الَّتِي تُفِيدُ التَّفْخِيمَ وَالتَّهْوِيلَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=27مَا أَصْحَابُ الْيَمِينِ؟ ..
وَلِأَصْحَابِنَا هَؤُلَاءِ نَعِيمٌ مَادِّيٌّ مَحْسُوسٌ، يَبْدُو فِي أَوْصَافِهِ شَيْءٌ مِنْ خُشُونَةِ الْبَدَاوَةِ، وَيُلَبِّي هَوَاتِفَ أَهْلِ الْبَدَاوَةِ حَسَبَمَا تَبْلُغُ مَدَارِكُهُمْ وَتَجَارِبُهُمْ مِنْ تَصَوُّرِ أَلْوَانِ النَّعِيمِ!
إِنَّهُمْ
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=28فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ .. وَالسِّدْرُ شَجَرُ النَّبْقِ الشَّائِكُ. وَلَكِنَّهُ هُنَا مَخْضُودٌ شَوْكُهُ وَمَنْزُوعٌ.
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=29وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ .. وَالطَّلْحُ شَجَرٌ مِنْ شَجَرِ الْحِجَازِ مِنْ نَوْعِ الْعِضَاهِ فِيهِ شَوْكٌ. وَلَكِنَّهُ هُنَا مَنْضُودٌ مُعَدٌّ لِلتَّنَاوُلِ بِلَا كَدٍّ وَلَا مَشَقَّةٍ.
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=30وَظِلٍّ مَمْدُودٍ، nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=31وَمَاءٍ مَسْكُوبٍ .. وَتِلْكَ جَمِيعًا مِنْ مَرَاتِعِ الْبَدَوِيِّ وَمَنَاعِمِهِ، كَمَا يَطْمَحُ إِلَيْهَا خَيَالُهُ وَتَهْتِفُ بِهَا أَشْوَاقُهُ!
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=32وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ. nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=33لا مَقْطُوعَةٍ وَلا مَمْنُوعَةٍ .. تَرَكَهَا مُجْمَلَةً شَامِلَةً بِغَيْرِ تَفْصِيلٍ بَعْدَ مَا ذَكَرَ الْأَنْوَاعَ الْمَعْرُوفَةَ لِسُكَّانِ الْبَادِيَةِ بِالتَّعْيِينِ.
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=34وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ .. وَهِيَ هُنَا لَا مَوْضُونَةٌ وَلَا نَاعِمَةٌ. وَبِحَسْبِهَا أَنَّهَا مَرْفُوعَةٌ. وَلِلرَّفْعِ فِي الْحِسِّ مَعْنَيَانِ. مَادِّيٌّ وَمَعْنَوِيٌّ يَسْتَدْعِي أَحَدَهُمَا الْآخَرَ، وَيَلْتَقِيَانِ عِنْدَ الِارْتِفَاعِ فِي الْمَكَانِ وَالطَّهَارَةِ مِنَ الدَّنَسِ. فَالْمَرْفُوعُ عَنِ الْأَرْضِ أَبْعَدُ عَنْ نَجَسِهَا. وَالْمَرْفُوعُ فِي الْمَعْنَى أَبْعَدُ عَنْ دَنَسِهَا. وَلِهَذَا يَنْتَقِلُ السِّيَاقُ مِنَ الْفُرُشِ الْمَرْفُوعَةِ إِلَى ذِكْرِ مَنْ فِيهَا مِنَ الْأَزْوَاجِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=35إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً إِمَّا ابْتِدَاءً وَهُنَّ الْحُورُ. وَإِمَّا اسْتِئْنَافًا وَهُنَّ الزَّوْجَاتُ الْمَبْعُوثَاتُ شَوَابَّ:
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=36فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا لَمْ يُمْسَسْنَ
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=37عُرُبًا .. مُتَحَبِّبَاتٍ إِلَى أَزْوَاجِهِنَّ
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=37أَتْرَابًا مُتَوَافِيَاتِ السِّنِّ وَالشَّبَابِ.
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=38لأَصْحَابِ الْيَمِينِ .. مُخَصَّصَاتٌ لَهُمْ. لِيَتَّسِقَ ذَلِكَ مَعَ "الْفُرُشِ الْمَرْفُوعَةِ"..
فَأَمَّا أَصْحَابُ الْيَمِينِ هَؤُلَاءِ فَهُمْ
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=39ثُلَّةٌ مِنَ الأَوَّلِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=40وَثُلَّةٌ مِنَ الآخِرِينَ .. فَهُمْ أَكْثَرُ عَدَدًا مِنَ السَّابِقَيْنِ الْمُقَرَّبِينَ.
[ ص: 3465 ] عَلَى الِاعْتِبَارَيْنِ اللَّذَيْنِ ذَكَرْنَاهُمَا فِي مَعْنَى الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ.