كذلك يقص الله - سبحانه - على نبيه - صلى الله عليه وسلم - وعلى الجماعة المسلمة ، أنه أخذ ميثاق الذين قالوا : إنا نصارى ، من أهل الكتاب . ولكنهم نقضوا ميثاقهم كذلك . فنالهم جزاء هذا النقض للميثاق :
nindex.php?page=treesubj&link=28976_30532_32429_34091_34184_34187_34262nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=14ومن الذين قالوا: إنا نصارى أخذنا ميثاقهم فنسوا حظا مما ذكروا به فأغرينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة. وسوف ينبئهم الله بما كانوا يصنعون . .
ونجد هنا تعبيرا خاصا ذا دلالة خاصة :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=14ومن الذين قالوا: إنا نصارى . .
ودلالة هذا التعبير : أنهم قالوها دعوى ، ولم يحققوها في حياتهم واقعا . . ولقد كان أساس هذا الميثاق هو توحيد الله . وهنا كانت نقطة الانحراف الأصلية في خط النصرانية التاريخي . وهذا هو الحظ الذي نسوه مما ذكروا به ; ونسيانه هو الذي قاد بعد ذلك إلى كل انحراف . كما أن نسيانه هو الذي نشأ من عنده الخلاف بين الطوائف والمذاهب والفرق ، التي لا تكاد تعد . في القديم وفي الحديث (كما سنبين إجمالا بعد قليل ) .
وبينها ما بينها من العداوة والبغضاء ما يخبرنا الله سبحانه أنه باق فيهم إلى يوم القيامة . . جزاء وفاقا على نقض ميثاقهم معه ، ونسيانهم حظا مما ذكروا به . . ويبقى جزاء الآخرة عندما ينبئهم الله بما كانوا يصنعون ; وعندما يجزيهم وفق ما ينبئهم به مما كانوا يصنعون !
ولقد وقع بين الذين قالوا : إنا نصارى من الخلاف والشقاق والعداوة والبغضاء في التاريخ القديم والحديث مصداق ما قصه الله - سبحانه - في كتابه الصادق الكريم ; وسال من دمائهم على أيدي بعضهم البعض ما لم يسل من حروبهم مع غيرهم في التاريخ كله . سواء كان ذلك بسبب الخلافات الدينية حول العقيدة ; أو بسبب الخلافات على الرياسة الدينية ; أو بسبب الخلافات السياسية والاقتصادية والاجتماعية . وفي خلال القرون الطويلة لم تسكن هذه العداوات والخلافات ولم تخمد هذه الحروب والجراحات . . وهي ماضية إلى يوم القيامة كما قال أصدق القائلين ، جزاء على نقضهم ميثاقهم ، ونسيانهم حظا مما ذكروا به من عهد الله ، وأول بند فيه هو بند التوحيد ، الذي انحرفوا عنه بعد فترة من وفاة
المسيح عليه السلام . لأسباب لا مجال هنا لعرضها بالتفصيل .
[ ص: 861 ] وحين يبلغ السياق هذا الموضع من استعراض موقف اليهود والنصارى من ميثاقهم مع الله . . وجهوا الخطاب لأهل الكتاب جميعا . . هؤلاء وهؤلاء . . لإعلانهم برسالة خاتم النبيين ; وإنها جاءت إليهم ، كما جاءت
للعرب الأميين ، وللناس أجمعين . فهم مخاطبون بها ، مأمورون باتباع الرسول الأخير - وهذا طرف من ميثاق الله معهم كما سلف - وأن هذا الرسول الأخير قد جاء يكشف لهم عن كثير مما كانوا يخفونه من الكتاب الذي بين أيديهم ; والذي استحفظوا عليه فنقضوا عهدهم مع الله فيه ; ويعفو كذلك عن كثير مما أخفوه ، ولم تعد هناك ضرورة له في الشريعة الجديدة . . ثم يتعرض لبعض الانحرافات التي جاء الرسول الأخير ليقومها في معتقداتهم : كقول النصارى : إن
المسيح عيسى بن مريم هو الله . وكقولهم هم واليهود : نحن أبناء الله وأحباؤه . .
كَذَلِكَ يَقُصُّ اللَّهُ - سُبْحَانَهُ - عَلَى نَبِيِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَلَى الْجَمَاعَةِ الْمُسْلِمَةِ ، أَنَّهُ أَخَذَ مِيثَاقَ الَّذِينَ قَالُوا : إِنَّا نَصَارَى ، مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ . وَلَكِنَّهُمْ نَقَضُوا مِيثَاقَهُمْ كَذَلِكَ . فَنَالَهُمْ جَزَاءُ هَذَا النَّقْضِ لِلْمِيثَاقِ :
nindex.php?page=treesubj&link=28976_30532_32429_34091_34184_34187_34262nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=14وَمِنَ الَّذِينَ قَالُوا: إِنَّا نَصَارَى أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ. وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللَّهُ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ . .
وَنَجِدُ هُنَا تَعْبِيرًا خَاصًّا ذَا دَلَالَةٍ خَاصَّةٍ :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=14وَمِنَ الَّذِينَ قَالُوا: إِنَّا نَصَارَى . .
وَدَلَالَةُ هَذَا التَّعْبِيرِ : أَنَّهُمْ قَالُوهَا دَعْوَى ، وَلَمْ يُحَقِّقُوهَا فِي حَيَاتِهِمْ وَاقِعًا . . وَلَقَدْ كَانَ أَسَاسُ هَذَا الْمِيثَاقِ هُوَ تَوْحِيدَ اللَّهِ . وَهُنَا كَانَتْ نُقْطَةُ الِانْحِرَافِ الْأَصْلِيَّةِ فِي خَطِّ النَّصْرَانِيَّةِ التَّارِيخِيِّ . وَهَذَا هُوَ الْحَظُّ الَّذِي نَسُوهُ مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ ; وَنِسْيَانُهُ هُوَ الَّذِي قَادَ بَعْدَ ذَلِكَ إِلَى كُلِّ انْحِرَافٍ . كَمَا أَنَّ نِسْيَانَهُ هُوَ الَّذِي نَشَأَ مِنْ عِنْدِهِ الْخِلَافُ بَيْنَ الطَّوَائِفِ وَالْمَذَاهِبِ وَالْفِرَقِ ، الَّتِي لَا تَكَادُ تُعَدُّ . فِي الْقَدِيمِ وَفِي الْحَدِيثِ (كَمَا سَنُبَيِّنُ إِجْمَالًا بَعْدَ قَلِيلٍ ) .
وَبَيْنَهَا مَا بَيْنَهَا مِنَ الْعَدَاوَةِ وَالْبَغْضَاءِ مَا يُخْبِرُنَا اللَّهُ سُبْحَانَهُ أَنَّهُ بَاقٍ فِيهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ . . جَزَاءً وِفَاقًا عَلَى نَقْضِ مِيثَاقِهِمْ مَعَهُ ، وَنِسْيَانِهِمْ حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ . . وَيَبْقَى جَزَاءُ الْآخِرَةِ عِنْدَمَا يُنَبِّئُهُمُ اللَّهُ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ ; وَعِنْدَمَا يَجْزِيهِمْ وَفْقَ مَا يُنَبِّئُهُمْ بِهِ مِمَّا كَانُوا يَصْنَعُونَ !
وَلَقَدْ وَقَعَ بَيْنَ الَّذِينَ قَالُوا : إِنَّا نَصَارَى مِنَ الْخِلَافِ وَالشِّقَاقِ وَالْعَدَاوَةِ وَالْبَغْضَاءِ فِي التَّارِيخِ الْقَدِيمِ وَالْحَدِيثِ مِصْدَاقَ مَا قَصَّهُ اللَّهُ - سُبْحَانَهُ - فِي كِتَابِهِ الصَّادِقِ الْكَرِيمِ ; وَسَالَ مِنْ دِمَائِهِمْ عَلَى أَيْدِي بَعْضِهِمُ الْبَعْضِ مَا لَمْ يَسِلْ مِنْ حُرُوبِهِمْ مَعَ غَيْرِهِمْ فِي التَّارِيخِ كُلِّهِ . سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ بِسَبَبِ الْخِلَافَاتِ الدِّينِيَّةِ حَوْلَ الْعَقِيدَةِ ; أَوْ بِسَبَبِ الْخِلَافَاتِ عَلَى الرِّيَاسَةِ الدِّينِيَّةِ ; أَوْ بِسَبَبِ الْخِلَافَاتِ السِّيَاسِيَّةِ وَالِاقْتِصَادِيَّةِ وَالِاجْتِمَاعِيَّةِ . وَفِي خِلَالِ الْقُرُونِ الطَّوِيلَةِ لَمْ تَسْكُنْ هَذِهِ الْعَدَاوَاتُ وَالْخِلَافَاتُ وَلَمْ تَخْمُدْ هَذِهِ الْحُرُوبُ وَالْجِرَاحَاتُ . . وَهِيَ مَاضِيَةٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ كَمَا قَالَ أَصْدَقُ الْقَائِلِينَ ، جَزَاءً عَلَى نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ ، وَنِسْيَانِهِمْ حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ مِنْ عَهْدِ اللَّهِ ، وَأَوَّلُ بَنْدٍ فِيهِ هُوَ بَنْدُ التَّوْحِيدِ ، الَّذِي انْحَرَفُوا عَنْهُ بَعْدَ فَتْرَةٍ مِنْ وَفَاةِ
الْمَسِيحِ عَلَيْهِ السَّلَامُ . لِأَسْبَابٍ لَا مَجَالَ هُنَا لِعَرْضِهَا بِالتَّفْصِيلِ .
[ ص: 861 ] وَحِينَ يَبْلُغُ السِّيَاقُ هَذَا الْمَوْضِعَ مِنَ اسْتِعْرَاضِ مَوْقِفِ اليهود وَالنَّصَارَى مِنْ مِيثَاقِهِمْ مَعَ اللَّهِ . . وَجَّهُوا الْخِطَابَ لِأَهْلِ الْكِتَابِ جَمِيعًا . . هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ . . لِإِعْلَانِهِمْ بِرِسَالَةِ خَاتَمِ النَّبِيِّينَ ; وَإِنَّهَا جَاءَتْ إِلَيْهِمْ ، كَمَا جَاءَتْ
لِلْعَرَبِ الْأُمِّيِّينَ ، وَلِلنَّاسِ أَجْمَعِينَ . فَهُمْ مُخَاطَبُونَ بِهَا ، مَأْمُورُونَ بِاتِّبَاعِ الرَّسُولِ الْأَخِيرِ - وَهَذَا طَرَفٌ مِنْ مِيثَاقِ اللَّهِ مَعَهُمْ كَمَا سَلَفَ - وَأَنَّ هَذَا الرَّسُولَ الْأَخِيرَ قَدْ جَاءَ يَكْشِفُ لَهُمْ عَنْ كَثِيرٍ مِمَّا كَانُوا يُخْفُونَهُ مِنَ الْكِتَابِ الَّذِي بَيْنَ أَيْدِيهِمْ ; وَالَّذِي اسْتُحْفِظُوا عَلَيْهِ فَنَقَضُوا عَهْدَهُمْ مَعَ اللَّهِ فِيهِ ; وَيَعْفُو كَذَلِكَ عَنْ كَثِيرٍ مِمَّا أَخْفَوْهُ ، وَلَمْ تَعُدْ هُنَاكَ ضَرُورَةٌ لَهُ فِي الشَّرِيعَةِ الْجَدِيدَةِ . . ثُمَّ يَتَعَرَّضُ لِبَعْضِ الِانْحِرَافَاتِ الَّتِي جَاءَ الرَّسُولُ الْأَخِيرُ لِيُقَوِّمَهَا فِي مُعْتَقَدَاتِهِمْ : كَقَوْلِ النَّصَارَى : إِنَّ
الْمَسِيحَ عِيسَى بْنَ مَرْيَمَ هُوَ اللَّهُ . وَكَقَوْلِهِمْ هُمْ وَاليهود : نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ . .