nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=158nindex.php?page=treesubj&link=3584_3582_28973إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما ومن تطوع خيرا فإن الله شاكر عليم ( 158 )
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=159إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون ( 159 )
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=160إلا الذين تابوا وأصلحوا وبينوا فأولئك أتوب عليهم وأنا التواب الرحيم ( 160 )
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=161إن الذين كفروا وماتوا وهم كفار أولئك عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ( 161 )
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=162خالدين فيها لا يخفف عنهم العذاب ولا هم ينظرون ( 162 )
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=163وإلهكم إله واحد لا إله إلا هو الرحمن الرحيم ( 163 )
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=164إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار والفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس وما أنزل الله من السماء من ماء فأحيا به الأرض بعد موتها وبث فيها من كل دابة وتصريف الرياح والسحاب المسخر بين السماء والأرض لآيات لقوم يعقلون ( 164 )
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=165ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا يحبونهم كحب الله والذين آمنوا أشد حبا لله ولو يرى الذين ظلموا إذ يرون العذاب أن القوة لله جميعا وأن الله شديد العذاب ( 165 )
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=166إذ تبرأ الذين اتبعوا من الذين اتبعوا ورأوا العذاب وتقطعت بهم الأسباب ( 166 )
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=167وقال الذين اتبعوا لو أن لنا كرة فنتبرأ منهم كما تبرءوا منا كذلك يريهم الله أعمالهم حسرات عليهم وما هم بخارجين من النار ( 167 )
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=168يا أيها الناس كلوا مما في الأرض حلالا طيبا ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين ( 168 )
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=169إنما يأمركم بالسوء والفحشاء وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون ( 169 )
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=170 .وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا أولو كان آباؤهم لا يعقلون شيئا ولا يهتدون ( 170 )
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=171ومثل الذين كفروا كمثل الذي ينعق بما لا يسمع إلا دعاء ونداء صم بكم عمي فهم لا يعقلون ( 171 )
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=172يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم واشكروا لله إن كنتم إياه تعبدون ( 172 )
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=173إنما حرم عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل به لغير الله فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه إن الله غفور رحيم ( 173 )
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=174إن الذين يكتمون ما أنزل الله من الكتاب ويشترون به ثمنا قليلا أولئك ما يأكلون في بطونهم إلا النار ولا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم ( 174 )
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=175أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى والعذاب بالمغفرة فما أصبرهم على النار ( 175 )
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=176ذلك بأن الله نزل الكتاب بالحق وإن الذين اختلفوا في الكتاب لفي شقاق بعيد ( 176 )
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=177ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين وآتى المال على حبه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب وأقام الصلاة وآتى الزكاة والموفون بعهدهم إذا عاهدوا والصابرين في البأساء والضراء وحين البأس أولئك الذين صدقوا وأولئك هم المتقون ( 177 )
[ ص: 147 ] يستهدف هذا الدرس تصحيح عدد من القواعد التي يقوم عليها التصور الإيماني الصحيح; مع الاستمرار في مواجهة يهود
المدينة الذين لا يكفون عن تلبيس الحق بالباطل في هذه القواعد; وكتمان الحق الذي يعلمونه في شأنها; وإيقاع البلبلة والاضطراب فيها.. ولكن السياق يتخذ في هذا الدرس أسلوب التعميم; وعرض القواعد العامة، التي تشمل اليهود وغيرهم ممن يرصدون للدعوة. وكذلك يحذر المسلمين من المزالق التي تترصدهم في طريقهم بصفة عامة.
ومن ثم نجد بيانا في موضوع الطواف
بالصفا والمروة ، بسبب ما كان يلابس هذا الموضوع من تقاليد الجاهلية. وهو بيان يتصل كذلك بمسألة الاتجاه إلى
المسجد الحرام في الصلاة، وإقرار شعائر الحج إلى هذا
البيت .
لذلك يليه في السياق بيان في شأن أهل الكتاب الذين يكتمون ما أنزل الله من البينات والهدى; وحملة عنيفة عليهم مع فتح باب التوبة لمن يريد أن يتوب. فأما الذين يصرون على الكفر فيعدهم اللعنة الجامعة، والعذاب الشديد الدائم.
ثم بيان لوحدانية الله، وتوجيه إلى الآيات الكونية الشاهدة بهذه الحقيقة. وتنديد بمن يتخذون من دون الله أندادا. وعرض مشهدا من مشاهد القيامة للتابعين منهم والمتبوعين. يتبرأ بعضهم من بعض وهم يرون العذاب.
وبمناسبة ما كان يجادل فيه اليهود من الحلال والحرام في المطاعم والمشارب، مما نزل به القرآن وبيانه عندهم فيما يكتمونه من التوراة.. تجيء دعوة إلى الناس كافة للاستمتاع بالطيبات التي أحلها الله وتحذير من الشيطان الذي يأمرهم بالسوء والفحشاء. تليها دعوة خاصة للذين آمنوا للاستمتاع بما أحل الله لهم والامتناع عما حرم عليهم، وبيان هذه المحرمات التي يجادل فيها اليهود ويماحلون وهم يعلمون.
ومن ثم حملة عنيفة على
nindex.php?page=treesubj&link=32420_32428_27962الذين يكتمون ما أنزل الله من الكتاب ويشترون به ثمنا قليلا. وتهديد رعيب بما ينتظرهم في الآخرة من إهمال وغضب واحتقار.
وفي نهاية الدرس يرد بيان عن حقيقة البر يتضمن قواعد الإيمان والعمل الصالح، يصحح به التصور الإيماني; فليس هو شكليات ظاهرية، وتقليبا للوجوه قبل المشرق والمغرب، ولكنه شعور وعمل وارتباط بالله في الشعور والعمل.. وتبدو العلاقة بين هذا البيان والجدل الذي ثار حول القبلة واضحة.
وهكذا نجد السياق ما يزال في المعركة.. المعركة في داخل النفوس لتصحيح التصورات والموازين. والمعركة مع الكيد والدس والبلبلة التي يقوم بها أعداء المسلمين..
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=158إن الصفا والمروة من شعائر الله، فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما، ومن تطوع خيرا فإن الله شاكر عليم ..
هناك عدة روايات عن سبب نزول هذه الآية، أقربها إلى المنطق النفسي المستفاد من طبيعة التصور الذي أنشأه الإسلام في نفوس المجموعة السابقة إلى الإسلام من
المهاجرين والأنصار .. الرواية التي تقول: إن بعض المسلمين تحرجوا من الطواف
بالصفا والمروة في الحج والعمرة، بسبب أنهم كانوا يسعون بين هذين الجبلين في الجاهلية، وأنه كان فوقهما صنمان هما
أساف ونائلة . فكره المسلمون أن يطوفوا كما كانوا يطوفون في الجاهلية.
[ ص: 149 ] قال
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري : حدثنا
محمد بن يوسف ، حدثنا
سفيان ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=16274عاصم بن سليمان : قال سألت
nindex.php?page=showalam&ids=9أنسا عن
الصفا والمروة قال: كنا نرى أنهما من أمر الجاهلية. فلما جاء الإسلام أمسكنا عنهما، فأنزل الله عز وجل:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=158إن الصفا والمروة من شعائر الله .. وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14577الشعبي : كان
أساف على
الصفا ، وكانت
نائلة على
المروة ، وكانوا يستلمونهما فتحرجوا بعد الإسلام من الطواف بينهما، فنزلت هذه الآية.
ولم يرد تحديد لتاريخ نزول هذه الآية. والأرجح أنها نزلت متأخرة عن الآيات الخاصة بتحويل القبلة.
ومع أن
مكة قد أصبحت دار حرب بالنسبة للمسلمين، فإنه لا يبعد أن بعض المسلمين كانوا يتمكنون أفرادا من الحج ومن العمرة. وهؤلاء هم الذين تحرجوا من الطواف بين
الصفا والمروة .. وكان هذا التحرج ثمرة التعليم الطويل، ووضوح التصور الإيماني في نفوسهم، هذا الوضوح الذي يجعلهم يتحرزون ويتوجسون من كل أمر كانوا يزاولونه في الجاهلية. إذ أصبحت نفوسهم من الحساسية في هذه الناحية بحيث تفزع من كل ما كان في الجاهلية، وتتوجس أن يكون منهيا عنه في الإسلام. الأمر الذي ظهر بوضوح في مناسبات كثيرة..
كانت الدعوة الجديدة قد هزت أرواحهم هزا وتغلغلت فيها إلى الأعماق، فأحدثت فيها انقلابا نفسيا وشعوريا كاملا، حتى لينظرون بجفوة وتحرز إلى ماضيهم في الجاهلية; ويحسون أن هذا شطر من حياتهم قد انفصلوا عنه انفصالا كاملا، فلم يعد منهم، ولم يعودوا منه; وعاد دنسا ورجسا يتحرزون من الإلمام به! وإن المتابع لسيرة هذه الفترة الأخيرة في حياة القوم ليحس بقوة أثر هذه العقيدة العجيب في تلك النفوس.
يحس التغير الكامل في تصورهم للحياة. حتى لكأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قد أمسك بهذه النفوس فهزها هزة نفضت عنها كل رواسبها، وأعادت تأليف ذراتها على نسق جديد; كما تصنع الهزة الكهربية في تأليف ذرات الأجسام على نسق آخر غير الذي كان
وهذا هو الإسلام.. هذا هو: انسلاخا كاملا عن كل ما في الجاهلية، وتحرجا بالغا من كل أمر من أمور الجاهلية، وحذرا دائما من كل شعور وكل حركة كانت النفس تأتيها في الجاهلية. حتى يخلص القلب للتصور الجديد بكل ما يقتضيه.. فلما أن تم هذا في نفوس الجماعة المسلمة أخذ الإسلام يقرر ما يريد الإبقاء عليه من الشعائر الأولى، مما لا يرى فيه بأسا. ولكن يربطه بعروة الإسلام بعد أن نزعه وقطعه عن أصله الجاهلي. فإذا أتاه المسلم فلا يلقون من عنت المشركين; وتثبيتهم على العقيدة مهما أوذوا يأتيه لأنه كان يفعله في الجاهلية ولكن لأنه شعيرة جديدة من شعائر الإسلام، تستمد أصلها من الإسلام.
وهنا نجد مثالا من هذا المنهج التربوي العميق. إذ يبدأ القرآن بتقرير أن
الصفا والمروة من شعائر الله :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=158إن الصفا والمروة من شعائر الله ..
فإذا اطوف بهما مطوف، فإنما يؤدي شعيرة من شعائر الله وإنما يقصد بالطواف بينهما إلى الله. ولقد انقطع ما بين هذا الطواف الجديد وطواف الجاهلية الموروث وتعلق الأمر بالله - سبحانه - لا
بإساف ونائلة وغيرهما من أصنام الجاهلية
ومن ثم فلا حرج ولا تأثم. فالأمر غير الأمر، والاتجاه غير الاتجاه:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=158فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما ..
وقد أقر الإسلام معظم شعائر الحج التي كان
العرب يؤدونها، ونفى كل ما يمت إلى الأوثان وإلى أوهام الجاهلية، وربط الشعائر التي أقرها بالتصور الإسلامي الجديد، بوصفها شعائر
إبراهيم التي علمه ربه إياها
[ ص: 150 ] "وسيأتي تفصيل هذا عند الكلام على فريضة الحج في موضعه من سياق السورة" .. فأما العمرة فكالحج في شعائرها فيما عدا الوقوف
بعرفة دون توقيت بمواقيت الحج. وفي كلا الحج والعمرة جعل الطواف بين
الصفا والمروة من شعائرهما.
ثم يختم الآية بتحسين التطوع بالخير إطلاقا:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=158ومن تطوع خيرا فإن الله شاكر عليم ..
فيلمح إلى أن هذا الطواف من الخير، وبذلك ينفي من النفوس كل حرج، ويطيب القلوب بهذه الشعائر، ويطمئنها على أن الله يعدها خيرا، ويجازي عليها بالخير. وهو يعلم ما تنطوي عليه القلوب من نية وشعور.
ولا بد أن نقف لحظة أمام ذلك التعبير الموحي:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=158فإن الله شاكر .. إن المعنى المقصود أن الله يرضى عن ذلك الخير ويثيب عليه. ولكن كلمة "شاكر" تلقي ظلالا ندية وراء هذا المعنى المجرد. تلقي ظلال الرضى الكامل، حتى لكأنه الشكر من الرب للعبد. ومن ثم توحي بالأدب الواجب من العبد مع الرب. فإذا كان الرب يشكر لعبده الخير، فماذا يصنع العبد ليوفي الرب حقه من الشكر والحمد؟؟ تلك ظلال التعبير القرآني التي تلمس الحس بكل ما فيها من الندى والرفق والجمال.
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=158nindex.php?page=treesubj&link=3584_3582_28973إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللَّهِ شَاكِرٌ عَلِيمٌ ( 158 )
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=159إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنَ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللاعِنُونَ ( 159 )
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=160إِلا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ( 160 )
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=161إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ ( 161 )
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=162خَالِدِينَ فِيهَا لا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ ( 162 )
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=163وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لا إِلَهٌ إِلا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ ( 163 )
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=164إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنَ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنَ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ( 164 )
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=165وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مَنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهِ شَدِيدُ الْعَذَابَ ( 165 )
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=166إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الأَسْبَابُ ( 166 )
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=167وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ ( 167 )
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=168يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الأَرْضِ حَلالا طَيِّبًا وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ ( 168 )
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=169إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ ( 169 )
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=170 .وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلا يَهْتَدُونَ ( 170 )
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=171وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لا يَسْمَعُ إِلا دُعَاءً وَنِدَاءً صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَعْقِلُونَ ( 171 )
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=172يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ ( 172 )
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=173إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهِ غَفُورٌ رَحِيمٌ ( 173 )
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=174إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلا أُولَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلا النَّارَ وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ( 174 )
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=175أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدَى وَالْعَذَابَ بِالْمَغْفِرَةِ فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ ( 175 )
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=176ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ نَزَّلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتَابَ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ ( 176 )
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=177لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ ( 177 )
[ ص: 147 ] يَسْتَهْدِفُ هَذَا الدَّرْسُ تَصْحِيحَ عَدَدٍ مِنَ الْقَوَاعِدِ الَّتِي يَقُومُ عَلَيْهَا التَّصَوُّرُ الْإِيمَانِيُّ الصَّحِيحُ; مَعَ الِاسْتِمْرَارِ فِي مُوَاجَهَةِ يَهُودِ
الْمَدِينَةِ الَّذِينَ لَا يَكُفُّونَ عَنْ تَلْبِيسِ الْحَقِّ بِالْبَاطِلِ فِي هَذِهِ الْقَوَاعِدِ; وَكِتْمَانِ الْحَقِّ الَّذِي يَعْلَمُونَهُ فِي شَأْنِهَا; وَإِيقَاعِ الْبَلْبَلَةِ وَالِاضْطِرَابِ فِيهَا.. وَلَكِنَّ السِّيَاقَ يَتَّخِذُ فِي هَذَا الدَّرْسِ أُسْلُوبَ التَّعْمِيمِ; وَعَرْضَ الْقَوَاعِدِ الْعَامَّةِ، الَّتِي تَشْمَلُ الْيَهُودَ وَغَيْرَهُمْ مِمَّنْ يَرْصُدُونَ لِلدَّعْوَةِ. وَكَذَلِكَ يُحَذِّرُ الْمُسْلِمِينَ مِنَ الْمَزَالِقِ الَّتِي تَتَرَصَّدُهُمْ فِي طَرِيقِهِمْ بِصِفَةِ عَامَّةٍ.
وَمِنْ ثَمَّ نَجِدُ بَيَانًا فِي مَوْضُوعِ الطَّوَافِ
بِالصَّفَا وَالْمَرْوَةَ ، بِسَبَبِ مَا كَانَ يُلَابِسُ هَذَا الْمَوْضُوعَ مِنْ تَقَالِيدِ الْجَاهِلِيَّةِ. وَهُوَ بَيَانٌ يَتَّصِلُ كَذَلِكَ بِمَسْأَلَةِ الِاتِّجَاهِ إِلَى
الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فِي الصَّلَاةِ، وَإِقْرَارِ شَعَائِرِ الْحَجِّ إِلَى هَذَا
الْبَيْتِ .
لِذَلِكَ يَلِيهِ فِي السِّيَاقِ بَيَانٌ فِي شَأْنِ أَهْلِ الْكِتَابِ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى; وَحَمْلَةً عَنِيفَةً عَلَيْهِمْ مَعَ فَتْحِ بَابِ التَّوْبَةِ لِمَنْ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ. فَأَمَّا الَّذِينَ يُصِرُّونَ عَلَى الْكُفْرِ فَيَعِدُهُمُ اللَّعْنَةَ الْجَامِعَةَ، وَالْعَذَابَ الشَّدِيدَ الدَّائِمَ.
ثُمَّ بَيَانٌ لِوَحْدَانِيَّةِ اللَّهِ، وَتَوْجِيهٌ إِلَى الْآيَاتِ الْكَوْنِيَّةِ الشَّاهِدَةِ بِهَذِهِ الْحَقِيقَةِ. وَتَنْدِيدٌ بِمَنْ يَتَّخِذُونَ مَنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا. وَعَرَضَ مَشْهَدًا مِنْ مَشَاهِدَ الْقِيَامَةِ لِلتَّابِعِينَ مِنْهُمْ وَالْمَتْبُوعِينَ. يَتَبَرَّأُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ وَهُمْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ.
وَبِمُنَاسَبَةِ مَا كَانَ يُجَادِلُ فِيهِ الْيَهُودُ مِنَ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ فِي الْمَطَاعِمِ وَالْمَشَارِبِ، مِمَّا نَزَلَ بِهِ الْقُرْآنُ وَبَيَانُهُ عِنْدَهُمْ فِيمَا يَكْتُمُونَهُ مِنَ التَّوْرَاةِ.. تَجِيءُ دَعْوَةٌ إِلَى النَّاسِ كَافَّةً لِلِاسْتِمْتَاعِ بِالطَّيِّبَاتِ الَّتِي أَحَلَّهَا اللَّهُ وَتَحْذِيرٌ مِنَ الشَّيْطَانِ الَّذِي يَأْمُرُهُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ. تَلِيهَا دَعْوَةٌ خَاصَّةٌ لِلَّذِينِ آمَنُوا لِلِاسْتِمْتَاعِ بِمَا أَحِلَّ اللَّهُ لَهُمْ وَالِامْتِنَاعُ عَمَّا حَرَّمَ عَلَيْهِمْ، وَبَيَانُ هَذِهِ الْمُحْرِمَاتِ الَّتِي يُجَادِلُ فِيهَا الْيَهُودُ وَيُمَاحِلُونَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ.
وَمِنْ ثَمَّ حَمْلَةٌ عَنِيفَةٌ عَلَى
nindex.php?page=treesubj&link=32420_32428_27962الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا. وَتَهْدِيدٌ رَعِيبٌ بِمَا يَنْتَظِرُهُمْ فِي الْآخِرَةِ مِنْ إِهْمَالٍ وَغَضَبٍ وَاحْتِقَارٍ.
وَفِي نِهَايَةِ الدَّرْسِ يَرِدُ بَيَانٌ عَنْ حَقِيقَةِ الْبِرِّ يَتَضَمَّنُ قَوَاعِدَ الْإِيمَانِ وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ، يُصَحِّحُ بِهِ التَّصَوُّرَ الْإِيمَانِيَّ; فَلَيْسَ هُوَ شَكْلِيَّاتٌ ظَاهِرِيَّةٌ، وَتَقْلِيبًا لِلْوُجُوهِ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ، وَلَكِنَّهُ شُعُورٌ وَعَمَلٌ وَارْتِبَاطٌ بِاللَّهِ فِي الشُّعُورِ وَالْعَمَلِ.. وَتَبْدُو الْعَلَاقَةُ بَيْنَ هَذَا الْبَيَانِ وَالْجَدَلِ الَّذِي ثَارَ حَوْلَ الْقِبْلَةِ وَاضِحَةٌ.
وَهَكَذَا نَجِدُ السِّيَاقَ مَا يَزَالُ فِي الْمَعْرَكَةِ.. الْمَعْرَكَةُ فِي دَاخِلِ النُّفُوسِ لِتَصْحِيحِ التَّصَوُّرَاتِ وَالْمَوَازِينِ. وَالْمَعْرَكَةُ مَعَ الْكَيْدِ وَالدَّسِّ وَالْبَلْبَلَةِ الَّتِي يَقُومُ بِهَا أَعْدَاءُ الْمُسْلِمِينَ..
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=158إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ، فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا، وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللَّهِ شَاكِرٌ عَلِيمٌ ..
هُنَاكَ عِدَّةُ رِوَايَاتٍ عَنْ سَبَبِ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ، أُقْرَبُهَا إِلَى الْمَنْطِقِ النَّفْسِيِّ الْمُسْتَفَادِ مِنْ طَبِيعَةِ التَّصَوُّرِ الَّذِي أَنْشَأَهُ الْإِسْلَامُ فِي نُفُوسِ الْمَجْمُوعَةِ السَّابِقَةِ إِلَى الْإِسْلَامِ مِنَ
الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ .. الرِّوَايَةُ الَّتِي تَقُولُ: إِنَّ بَعْضَ الْمُسْلِمِينَ تَحَرَّجُوا مِنَ الطَّوَافِ
بِالصَّفَا وَالْمَرْوَةَ فِي الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ، بِسَبَبِ أَنَّهُمْ كَانُوا يَسْعَوْنَ بَيْنَ هَذَيْنَ الْجَبَلَيْنِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَأَنَّهُ كَانَ فَوْقَهُمَا صَنَمَانِ هُمَا
أَسَافُ وَنَائِلَةُ . فَكَرِهَ الْمُسْلِمُونَ أَنْ يَطُوفُوا كَمَا كَانُوا يَطُوفُونَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ.
[ ص: 149 ] قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=12070الْبُخَارِيُّ : حَدَّثَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ ، حَدَّثَنَا
سُفْيَانُ ، عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=16274عَاصِمِ بْنِ سُلَيْمَانَ : قَالَ سَأَلْتُ
nindex.php?page=showalam&ids=9أَنَسًا عَنِ
الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ قَالَ: كُنَّا نَرَى أَنَّهُمَا مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ. فَلَمَّا جَاءَ الْإِسْلَامُ أَمْسَكْنَا عَنْهُمَا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=158إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ .. وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14577الشَّعْبِيُّ : كَانَ
أَسَافُ عَلَى
الصَّفَا ، وَكَانَتْ
نَائِلَةُ عَلَى
الْمَرْوَةَ ، وَكَانُوا يَسْتَلِمُونَهُمَا فَتَحَرَّجُوا بَعْدَ الْإِسْلَامِ مِنَ الطَّوَافِ بَيْنَهُمَا، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ.
وَلَمْ يَرِدْ تَحْدِيدٌ لِتَارِيخِ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ. وَالْأَرْجَحُ أَنَّهَا نَزَلَتْ مُتَأَخِّرَةً عَنِ الْآيَاتِ الْخَاصَّةِ بِتَحْوِيلِ الْقِبْلَةِ.
وَمَعَ أَنَّ
مَكَّةَ قَدْ أَصْبَحَتْ دَارَ حَرْبٍ بِالنِّسْبَةِ لِلْمُسْلِمِينَ، فَإِنَّهُ لَا يَبْعُدُ أَنَّ بَعْضَ الْمُسْلِمِينَ كَانُوا يَتَمَكَّنُونَ أَفْرَادًا مِنَ الْحَجِّ وَمِنَ الْعُمْرَةِ. وَهَؤُلَاءِ هُمُ الَّذِينَ تَحَرَّجُوا مِنَ الطَّوَافِ بَيْنَ
الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ .. وَكَانَ هَذَا التَّحَرُّجُ ثَمَرَةَ التَّعْلِيمِ الطَّوِيلِ، وَوُضُوحَ التَّصَوُّرِ الْإِيمَانِيِّ فِي نُفُوسِهِمْ، هَذَا الْوُضُوحُ الَّذِي يَجْعَلُهُمْ يَتَحَرَّزُونَ وَيَتَوَجَّسُونَ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ كَانُوا يُزَاوِلُونَهُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ. إِذْ أَصْبَحَتْ نُفُوسُهُمْ مِنَ الْحَسَاسِيَةِ فِي هَذِهِ النَّاحِيَةِ بِحَيْثُ تَفْزَعُ مِنْ كُلِّ مَا كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَتَتَوَجَّسُ أَنْ يَكُونَ مَنْهِيًّا عَنْهُ فِي الْإِسْلَامِ. الْأَمْرُ الَّذِي ظَهَرَ بِوُضُوحٍ فِي مُنَاسَبَاتٍ كَثِيرَةٍ..
كَانَتِ الدَّعْوَةُ الْجَدِيدَةُ قَدْ هَزَّتْ أَرْوَاحَهُمْ هَزًّا وَتَغَلْغَلَتْ فِيهَا إِلَى الْأَعْمَاقِ، فَأَحْدَثَتْ فِيهَا انْقِلَابًا نَفْسِيًّا وَشُعُورِيًّا كَامِلًا، حَتَّى لَيَنْظُرُونَ بِجَفْوَةٍ وَتَحَرُّزٍ إِلَى مَاضِيهِمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ; وَيُحِسُّونَ أَنَّ هَذَا شَطْرٌ مِنْ حَيَاتِهِمْ قَدِ انْفَصَلُوا عَنْهُ انْفِصَالًا كَامِلًا، فَلَمْ يَعُدْ مِنْهُمْ، وَلَمْ يَعُودُوا مِنْهُ; وَعَادَ دَنِسًا وَرِجْسًا يَتَحَرَّزُونَ مِنَ الْإِلْمَامِ بِهِ! وَإِنَّ الْمُتَابِعَ لِسِيرَةِ هَذِهِ الْفَتْرَةِ الْأَخِيرَةِ فِي حَيَاةِ الْقَوْمِ لَيَحُسُّ بِقُوَّةِ أَثَرِ هَذِهِ الْعَقِيدَةِ الْعَجِيبِ فِي تِلْكَ النُّفُوسِ.
يُحِسُّ التَّغَيُّرَ الْكَامِلَ فِي تَصَوُّرِهِمْ لِلْحَيَاةِ. حَتَّى لَكَأَنَّ الرَّسُولَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ أَمْسَكَ بِهَذِهِ النُّفُوسِ فَهَزَّهَا هَزَّةً نَفَضَتْ عَنْهَا كُلُّ رَوَاسِبِهَا، وَأَعَادَتْ تَأْلِيفَ ذَرَّاتِهَا عَلَى نَسَقٍ جَدِيدٍ; كَمَا تَصْنَعُ الْهَزَّةُ الْكَهْرَبِيَّةُ فِي تَأْلِيفِ ذَرَّاتِ الْأَجْسَامِ عَلَى نَسَقٍ آخَرَ غَيْرِ الَّذِي كَانَ
وَهَذَا هُوَ الْإِسْلَامُ.. هَذَا هُوَ: انْسِلَاخًا كَامِلًا عَنْ كُلِّ مَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَتَحَرُّجًا بِالِغًا مَنْ كُلِّ أَمْرٍ مِنْ أُمُورِ الْجَاهِلِيَّةِ، وَحَذَرًا دَائِمًا مِنْ كُلِّ شُعُورِ وَكُلِّ حَرَكَةٍ كَانَتِ النَّفْسُ تَأْتِيهَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ. حَتَّى يُخْلِصَ الْقَلْبُ لِلتَّصَوُّرِ الْجَدِيدِ بِكُلِّ مَا يَقْتَضِيهِ.. فَلَمَّا أَنَّ تَمَّ هَذَا فِي نُفُوسِ الْجَمَاعَةِ الْمُسْلِمَةِ أَخَذَ الْإِسْلَامُ يُقَرِّرُ مَا يُرِيدُ الْإِبْقَاءَ عَلَيْهِ مِنَ الشَّعَائِرِ الْأُولَى، مِمَّا لَا يَرَى فِيهِ بَأْسًا. وَلَكِنْ يَرْبُطُهُ بِعُرْوَةِ الْإِسْلَامِ بَعْدَ أَنْ نَزَعَهُ وَقَطَعَهُ عَنْ أَصْلِهِ الْجَاهِلِيِّ. فَإِذَا أَتَاهُ الْمُسْلِمُ فَلَا يُلْقُونَ مِنْ عَنَتِ الْمُشْرِكِينَ; وَتَثْبِيتَهُمْ عَلَى الْعَقِيدَةِ مَهْمَا أُوذُوا يَأْتِيهِ لِأَنَّهُ كَانَ يَفْعَلُهُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَلَكِنْ لِأَنَّهُ شَعِيرَةٌ جَدِيدَةٌ مِنْ شَعَائِرِ الْإِسْلَامِ، تَسْتَمِدُّ أَصْلَهَا مِنَ الْإِسْلَامِ.
وَهُنَا نَجِدُ مِثَالًا مِنْ هَذَا الْمَنْهَجِ التَّرْبَوِيِّ الْعَمِيقِ. إِذْ يَبْدَأُ الْقُرْآنُ بِتَقْرِيرِ أَنَّ
الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=158إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ ..
فَإِذًا اطَّوَّفَ بِهِمَا مُطَوِّفٌ، فَإِنَّمَا يُؤَدِّي شَعِيرَةً مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ وَإِنَّمَا يَقْصِدُ بِالطَّوَافِ بَيْنَهُمَا إِلَى اللَّهِ. وَلَقَدِ انْقَطَعَ مَا بَيْنَ هَذَا الطَّوَافِ الْجَدِيدِ وَطَوَافِ الْجَاهِلِيَّةِ الْمَوْرُوثِ وَتَعَلُّقِ الْأَمْرِ بِاللَّهِ - سُبْحَانَهُ - لَا
بِإِسَافَ وَنَائِلَةَ وَغَيْرِهِمَا مِنْ أَصْنَامِ الْجَاهِلِيَّةِ
وَمِنْ ثَمَّ فَلَا حَرَجَ وَلَا تَأْثَمَ. فَالْأَمْرُ غَيْرُ الْأَمْرِ، وَالِاتِّجَاهُ غَيْرُ الِاتِّجَاهِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=158فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا ..
وَقَدْ أَقَرَّ الْإِسْلَامُ مُعْظَمَ شَعَائِرِ الْحَجِّ الَّتِي كَانَ
الْعَرَبُ يُؤَدُّونَهَا، وَنَفَى كُلَّ مَا يَمُتُّ إِلَى الْأَوْثَانِ وَإِلَى أَوْهَامِ الْجَاهِلِيَّةِ، وَرَبَطَ الشَّعَائِرَ الَّتِي أَقَرَّهَا بِالتَّصَوُّرِ الْإِسْلَامِيِّ الْجَدِيدِ، بِوَصْفِهَا شَعَائِرَ
إِبْرَاهِيمَ الَّتِي عَلَّمَهُ رَبُّهُ إِيَّاهَا
[ ص: 150 ] "وَسَيَأْتِي تَفْصِيلُ هَذَا عِنْدَ الْكَلَامِ عَلَى فَرِيضَةِ الْحَجِّ فِي مَوْضِعِهِ مِنْ سِيَاقِ السُّورَةِ" .. فَأَمَّا الْعُمْرَةُ فَكَالْحَجِّ فِي شَعَائِرِهَا فِيمَا عَدَا الْوُقُوفَ
بِعَرَفَةَ دُونَ تَوْقِيتٍ بِمَوَاقِيتِ الْحَجِّ. وُفِي كِلَا الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ جَعَلَ الطَّوَافَ بَيْنَ
الصَّفَا والْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِهِمَا.
ثُمَّ يَخْتِمُ الْآيَةَ بِتَحْسِينِ التَّطَوُّعِ بِالْخَيْرِ إِطْلَاقًا:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=158وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ ..
فَيُلْمِحُ إِلَى أَنَّ هَذَا الطَّوَافَ مِنَ الْخَيْرِ، وَبِذَلِكَ يَنْفِي مِنَ النُّفُوسِ كُلَّ حَرَجٍ، وَيُطَيِّبُ الْقُلُوبَ بِهَذِهِ الشَّعَائِرِ، وَيُطَمْئِنُهَا عَلَى أَنَّ اللَّهَ يَعُدُّهَا خَيْرًا، وَيُجَازِي عَلَيْهَا بِالْخَيْرِ. وَهُوَ يَعْلَمُ مَا تَنْطَوِي عَلَيْهِ الْقُلُوبُ مِنْ نِيَّةٍ وَشُعُورٍ.
وَلَا بُدَّ أَنْ نَقِفَ لَحْظَةً أَمَامِ ذَلِكَ التَّعْبِيرِ الْمُوحِي:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=158فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ .. إِنَّ الْمَعْنَى الْمَقْصُودَ أَنَّ اللَّهَ يَرْضَى عَنْ ذَلِكَ الْخَيْرِ وَيُثِيبُ عَلَيْهِ. وَلَكِنْ كَلِمَةُ "شَاكِرٌ" تُلْقِي ظِلَالًا نَدِّيَّةً وَرَاءَ هَذَا الْمَعْنَى الْمُجَرَّدِ. تُلْقِي ظِلَالَ الرِّضَى الْكَامِلِ، حَتَّى لَكَأَنَّهُ الشُّكْرُ مِنَ الرَّبِّ لِلْعَبْدِ. وَمِنْ ثَمَّ تُوحِي بِالْأَدَبِ الْوَاجِبِ مِنَ الْعَبْدِ مَعَ الرَّبِّ. فَإِذَا كَانَ الرَّبُّ يَشْكُرُ لِعَبْدِهِ الْخَيْرَ، فَمَاذَا يَصْنَعُ الْعَبْدُ لِيُوَفِّيَ الرَّبُّ حَقَّهُ مِنَ الشُّكْرِ وَالْحَمْدِ؟؟ تِلْكَ ظِلَالُ التَّعْبِيرِ الْقُرْآنِيِّ الَّتِي تَلْمِسُ الْحِسَّ بِكُلِّ مَا فِيهَا مِنَ النَّدَى وَالرِّفْقِ وَالْجَمَالِ.