ثم يبين حكم
nindex.php?page=treesubj&link=8193القتال في الأشهر الحرم كما بين حكمه عند
المسجد الحرام :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=194الشهر الحرام بالشهر الحرام والحرمات قصاص. فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم، واتقوا الله، واعلموا أن الله مع المتقين ..
فالذي ينتهك حرمة الشهر الحرام جزاؤه أن يحرم الضمانات التي يكفلها له الشهر الحرام. وقد جعل الله
البيت الحرام واحة للأمن والسلام في المكان; كما جعل الأشهر الحرم واحة للأمن والسلام في الزمان. تصان فيها الدماء، والحرمات والأموال، ولا يمس فيها حي بسوء. فمن أبى أن يستظل بهذه الواحة وأراد أن يحرم المسلمين منها، فجزاؤه أن يحرم هو منها. والذي ينتهك الحرمات لا تصان حرماته، فالحرمات قصاص..
ومع هذا فإن إباحة الرد والقصاص للمسلمين توضع في حدود لا يعتدونها. فما تباح هذه المقدسات إلا للضرورة وبقدرها:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=194فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم ..
بلا تجاوز ولا مغالاة.. والمسلمون موكولون في هذا إلى تقواهم. وقد كانوا يعلمون - كما تقدم - أنهم إنما ينصرون بعون الله. فيذكرهم هنا بأن الله مع المتقين. بعد أمرهم بالتقوى.. وفي هذا الضمان كل الضمان..
nindex.php?page=treesubj&link=27390والجهاد كما يحتاج للرجال يحتاج للمال . ولقد كان المجاهد المسلم يجهز نفسه بعدة القتال، ومركب القتال، وزاد القتال.. لم تكن هناك رواتب يتناولها القادة والجند. إنما كان هناك تطوع بالنفس وتطوع بالمال.
وهذا ما تصنعه العقيدة حين تقوم عليها النظم. إنها لا تحتاج حينئذ أن تنفق لتحمي نفسها من أهلها أو من أعدائها، إنما يتقدم الجند ويتقدم القادة متطوعين ينفقون هم عليها
ولكن كثيرا من فقراء المسلمين الراغبين في الجهاد، والذود عن منهج الله وراية العقيدة، لم يكونوا يجدون ما يزودون به أنفسهم، ولا ما يتجهزون به من عدة الحرب ومركب الحرب. وكانوا يجيئون إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - يطلبون أن يحملهم إلى ميدان المعركة البعيد، الذي لا يبلغ على الأقدام. فإذا لم يجد ما يحملهم عليه
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=92تولوا وأعينهم تفيض من الدمع حزنا ألا يجدوا ما ينفقون .. كما حكى عنهم القرآن الكريم.
[ ص: 192 ] من أجل هذا كثرت التوجيهات القرآنية والنبوية إلى الإنفاق في سبيل الله . الإنفاق لتجهيز الغزاة. وصاحبت الدعوة إلى الجهاد دعوة إلى الإنفاق في معظم المواضع..
وهنا يعد
nindex.php?page=treesubj&link=18897_3235_23468عدم الإنفاق تهلكة ينهى عنها المسلمون: nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=195وأنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة، وأحسنوا إن الله يحب المحسنين ..
والإمساك عن الإنفاق في سبيل الله تهلكة للنفس بالشح، وتهلكة للجماعة بالعجز والضعف. وبخاصة في نظام يقوم على التطوع، كما كان يقوم الإسلام.
ثم يرتقي بهم من مرتبة الجهاد والإنفاق إلى مرتبة الإحسان:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=195وأحسنوا إن الله يحب المحسنين ..
ومرتبة الإحسان هي عليا المراتب في الإسلام . وهي كما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم:
nindex.php?page=hadith&LINKID=650048أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك .
وحين تصل النفس إلى هذه المرتبة، فإنها تفعل الطاعات كلها، وتنتهي عن المعاصي كلها، وتراقب الله في الصغيرة والكبيرة، وفي السر والعلن على السواء.
وهذا هو التعقيب الذي ينهي آيات القتال والإنفاق، فيكل النفس في أمر الجهاد إلى الإحسان. أعلى مراتب الإيمان..
ثُمَّ يُبَيِّنُ حُكْمَ
nindex.php?page=treesubj&link=8193الْقِتَالِ فِي الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ كَمَا بَيْنَ حُكْمِهِ عِنْدَ
الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=194الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامُ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ. فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ، وَاتَّقُوا اللَّهَ، وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ ..
فَالَّذِي يَنْتَهِكُ حُرْمَةَ الشَّهْرِ الْحَرَامِ جَزَاؤُهُ أَنْ يُحْرَمَ الضَّمَانَاتِ الَّتِي يَكْفُلُهَا لَهُ الشَّهْرُ الْحَرَامُ. وَقَدْ جَعَلَ اللَّهُ
الْبَيْتَ الْحَرَامَ وَاحَةً لِلْأَمْنِ وَالسَّلَامِ فِي الْمَكَانِ; كَمَا جَعَلَ الْأَشْهُرَ الْحُرُمَ وَاحَةً لِلْأَمْنِ وَالسَّلَامِ فِي الزَّمَانِ. تُصَانُ فِيهَا الدِّمَاءُ، وَالْحُرُمَاتُ وَالْأَمْوَالُ، وَلَا يُمَسُّ فِيهَا حَيٌّ بِسُوءٍ. فَمَنْ أَبَى أَنْ يَسْتَظِلَّ بِهَذِهِ الْوَاحَةِ وَأَرَادَ أَنْ يَحْرِمَ الْمُسْلِمِينَ مِنْهَا، فَجَزَاؤُهُ أَنْ يُحْرَمَ هُوَ مِنْهَا. وَالَّذِي يَنْتَهِكُ الْحُرُمَاتِ لَا تُصَانُ حُرُمَاتُهُ، فَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ..
وَمَعَ هَذَا فَإِنَّ إِبَاحَةَ الرَّدِّ وَالْقِصَاصِ لِلْمُسْلِمِينَ تُوضَعُ فِي حُدُودٍ لَا يَعْتَدُونَهَا. فَمَا تُبَاحُ هَذِهِ الْمُقَدَّسَاتُ إِلَّا لِلضَّرُورَةِ وَبِقَدْرِهَا:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=194فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ ..
بِلَا تَجَاوُزٍ وَلَا مُغَالَاةٍ.. وَالْمُسْلِمُونَ مَوْكُولُونَ فِي هَذَا إِلَى تَقْوَاهُمْ. وَقَدْ كَانُوا يَعْلَمُونَ - كَمَا تَقَدَّمَ - أَنَّهُمْ إِنَّمَا يُنْصَرُونَ بِعَوْنِ اللَّهِ. فَيُذَكِّرُهُمْ هُنَا بِأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ. بَعْدَ أَمْرِهِمْ بِالتَّقْوَى.. وَفِي هَذَا الضَّمَانِ كُلُّ الضَّمَانِ..
nindex.php?page=treesubj&link=27390وَالْجِهَادُ كَمَا يَحْتَاجُ لِلرِّجَالِ يَحْتَاجُ لِلْمَالِ . وَلَقَدْ كَانَ الْمُجَاهِدُ الْمُسْلِمُ يُجَهِّزُ نَفْسَهُ بِعِدَّةِ الْقِتَالِ، وَمَرْكَبِ الْقِتَالِ، وَزَادَ الْقِتَالُ.. لَمْ تَكُنْ هُنَاكَ رَوَاتِبٌ يَتَنَاوَلُهَا الْقَادَةُ وَالْجُنْدُ. إِنَّمَا كَانَ هُنَاكَ تَطَوُّعٌ بِالنَّفْسِ وَتَطَوُّعٌ بِالْمَالِ.
وَهَذَا مَا تَصْنَعُهُ الْعَقِيدَةُ حِينَ تَقُومُ عَلَيْهَا النُّظُمُ. إِنَّهَا لَا تَحْتَاجُ حِينَئِذٍ أَنْ تُنْفِقَ لِتَحْمِيَ نَفْسَهَا مِنْ أَهْلِهَا أَوْ مِنْ أَعْدَائِهَا، إِنَّمَا يَتَقَدَّمُ الْجُنْدَ وَيَتَقَدَّمُ الْقَادَةُ مُتَطَوِّعِينَ يُنْفِقُونَ هُمْ عَلَيْهَا
وَلَكِنَّ كَثِيرًا مِنْ فُقَرَاءِ الْمُسْلِمِينَ الرَّاغِبِينَ فِي الْجِهَادِ، وَالذَّوْدِ عَنْ مَنْهَجِ اللَّهِ وَرَايَةِ الْعَقِيدَةِ، لَمْ يَكُونُوا يَجِدُونَ مَا يُزَوِّدُونَ بِهِ أَنْفُسَهُمْ، وَلَا مَا يَتَجَهَّزُونَ بِهِ مِنْ عِدَّةِ الْحَرْبِ وَمَرْكَبِ الْحَرْبِ. وَكَانُوا يَجِيئُونَ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَطْلُبُونَ أَنْ يَحْمِلَهُمُ إِلَى مَيْدَانِ الْمَعْرَكَةِ الْبَعِيدِ، الَّذِي لَا يَبْلُغُ عَلَى الْأَقْدَامِ. فَإِذَا لَمْ يَجِدْ مَا يَحْمِلُهُمْ عَلَيْهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=92تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلا يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ .. كَمَا حَكَى عَنْهُمُ الْقُرْآنُ الْكَرِيمُ.
[ ص: 192 ] مِنْ أَجْلِ هَذَا كَثُرْتِ التَّوْجِيهَاتُ الْقُرْآنِيَّةُ وَالنَّبَوِيَّةُ إِلَى الْإِنْفَاقِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ . الْإِنْفَاقِ لِتَجْهِيزِ الْغُزَاةِ. وَصَاحَبَتِ الدَّعْوَةُ إِلَى الْجِهَادِ دَعْوَةٌ إِلَى الْإِنْفَاقِ فِي مُعْظَمِ الْمَوَاضِعِ..
وَهُنَا يُعَدُّ
nindex.php?page=treesubj&link=18897_3235_23468عَدَمُ الْإِنْفَاقِ تَهْلُكَةٌ يَنْهَى عَنْهَا الْمُسْلِمُونَ: nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=195وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ، وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهِ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ..
وَالْإِمْسَاكُ عَنِ الْإِنْفَاقِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ تَهْلُكَةٌ لِلنَّفْسِ بِالشُّحِّ، وَتَهْلُكَةٌ لِلْجَمَاعَةِ بِالْعَجْزِ وَالضَّعْفِ. وَبِخَاصَّةٍ فِي نِظَامٍ يَقُومُ عَلَى التَّطَوُّعِ، كَمَا كَانَ يَقُومُ الْإِسْلَامُ.
ثُمَّ يَرْتَقِي بِهِمْ مِنْ مَرْتَبَةِ الْجِهَادِ وَالْإِنْفَاقِ إِلَى مَرْتَبَةِ الْإِحْسَانِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=195وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ..
وَمَرْتَبَةُ الْإِحْسَانِ هِيَ عُلْيَا الْمَرَاتِبِ فِي الْإِسْلَامِ . وَهِيَ كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
nindex.php?page=hadith&LINKID=650048أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ .
وَحِينَ تَصِلُ النَّفْسُ إِلَى هَذِهِ الْمَرْتَبَةِ، فَإِنَّهَا تَفْعَلُ الطَّاعَاتِ كُلِّهَا، وَتَنْتَهِي عَنِ الْمَعَاصِي كُلِّهَا، وَتُرَاقِبُ اللَّهَ فِي الصَّغِيرَةِ وَالْكَبِيرَةِ، وَفِي السِّرِّ وَالْعَلَنِ عَلَى السَّوَاءِ.
وَهَذَا هُوَ التَّعْقِيبُ الَّذِي يُنْهِي آيَاتِ الْقِتَالِ وَالْإِنْفَاقِ، فَيَكِلُ النَّفْسَ فِي أَمْرِ الْجِهَادِ إِلَى الْإِحْسَانِ. أَعْلَى مَرَاتِبِ الْإِيمَانِ..