وقوله: وأحل الله البيع .
يقتضي جواز ما لا زيادة فيه، إلا ما خصه دليل الشرع، فنحن نحتاج إلى البيان فيما لم يرد باللفظ، وما دل عليه اللفظ محرم مع غيره، فلا بد من بيان في الذي ما أريد باللفظ، وفي تخصيص بعض ما أريد باللفظ.
والله تعالى حرم الربا، فمن الربا ما كانوا يعتادونه في الجاهلية من إقراض الدنانير والدراهم بزيادة.
والنوع الآخر: تحريم الإسلام الدراهم في الدراهم والدنانير من غير زيادة.
ورأى أن سياق الآية يدل على أن المذكور في كتاب الله ربا النساء، لا ربا الفضل فإنه قال: ابن عباس فله ما سلف .
وذروا ما بقي من الربا (278).
وقال: وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة (280).
وقال تعالى: وإن تبتم فلكم رءوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون (279).
وقال عليه السلام في خطبة الوداع: موضوع، وإن كل دم كان في الجاهلية فإنه موضوع، وأول دمائكم أضع دم العباس بن عبد المطلب كان مسترضعا في [ ص: 233 ] ربيعة بن الحارث بني ليث فقتلته هذيل" . "كل ربا موضوع، ولكم رؤوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون، قضى الله أن لا ربا، وإن ربا
وإن كان الربا ينقسم أقساما، فالذي في القرآن يدل على تحريم الزيادة من غير نظر في جنس المال وما يقابله، ولا دلالة فيه على تحريم النساء من غير زيادة في نفس المال، لأن ذلك لا يعد زيادة في النسيء، ولا يقال: أكل الربا، ومن أجل ذلك جوز بعض العلماء -وهو مالك- إلا أنا منعنا من ذلك، لا من جهة الآية، بل من جهة أخرى. الأجل في القرض،
والذي كان في الجاهلية كان القرض بزيادة، وما كانوا يؤجلون إلا بزيادة في نفس النسيء.
ونقل عن أن لفظ الربا لما كان غير معلوم أورث احتمالا في البيع، والصحيح أن الربا غير مجمل، ولا البيع كما ذكرناه، فإن ما لا زيادة فيه جاز على عموم حكم البيع. الشافعي
نعم خص من الربا زيادة أبيحت، وخص من البيع بياعات نهى عنها، وعموم اللفظ معتبر فيما سوى المخصوص.
ورد الله تعالى على المشركين في قولهم: ذلك بأنهم قالوا إنما البيع مثل الربا (275)، وذلك أنهم زعموا أنه لا فرق بين الزيادة المأخوذة على وجه الربا، وبين الأرباح المكتسبة بضروب البياعات، من حيث غاب عنهم وجه المصلحة، وتحريم الزيادة على وجه دون وجه، فأبان الله تعالى أنه عز وجل إذا حرم الربا وأحل البيع، فلا بد أن يشتمل المنهي عنه على مفسدة، والمباح على مصلحة، وإن غابتا عن [ ص: 234 ] مرأى نظر العباد، فعلى هذا كل ما وجد فيه حد البيع ، فيجوز أن يحتج فيه بعموم البيع.