وقال تعالى: وإن تبتم فلكم رءوس أموالكم (279).
وهو تأكيد لإبطال ما لم يقبض منه فإذن رأس المال الذي لا ربا فيه، فاستدل بعض العلماء على ذلك على أن كل ما طرأ على البيع قبل القبض مما يوجب تحريم ذلك العقد أبطل العقد، كما إذا اشترى مسلم صيدا، ثم أحرم المشتري قبل القبض، أو البائع، بطل البيع، لأنه طرأ عليه قبل القبض ما أوجب تحريم العقد، كما أبطل الله تعالى من الربا ما لم يقبض، لأنه طرأ عليه ما أوجب تحريمه قبل القبض، ولو كان مقبوضا لم يؤثر، هذا مذهب وهو قول لأصحاب أبي حنيفة، الشافعي.
ويستدل به على أن هلاك المبيع في يد البائع، وسقوط القبض فيه، يوجب بطلان العقد خلافا لبعض السلف. [ ص: 235 ] ويروى هذا الخلاف عن أحمد.
ويمكن أن يقال: إن هذا الاستدلال إنما يصح على رأي من يقول: إن العقد في الربا في الأصل كان منعقدا، حتى يقال: إن الذي انعقد من قبل بطل بالإسلام قبل القبض، فإذا منع انعقاد الربا في الأصل، لم يكن هذا الكلام صحيحا.
وهذا لأن الربا كان محرما في الأديان، وما كان تحريمه في شرعنا حتى يقال كان مباحا من قبل.
وإنما حرم بعد العقد ليصح الاستدلال بطريان المنافي من التحريم على فساد العقد قبل القبض، وانبرامه بعض القبض.
فأما إذا قلنا إن العقد لم ينعقد من الأصل، والذي فعلوه في الشرك كان على عادة الجاهلية لا بناء على شريعة فلا يستقيم هذا الكلام، بل يقال: ما قبضوه منه، كان بمثابة أموال وصلت إليهم بالنهب والسلب، فلا يتعرض له، فعلى هذا لا يصح الاستشهاد به على ما ذكروه من المسائل.
واشتمال شرائع من قبلنا من الأنبياء على تحريم الربا كان مشهورا ومذكورا في كتاب الله، كما أخبر عن اليهود في قوله:
وأخذهم الربا وقد نهوا عنه .
وذكر في قصة شعيب أن قومه أنكروا عليه وقالوا:
أصلاتك تأمرك أن نترك ما يعبد آباؤنا أو أن نفعل في أموالنا ما نشاء ؟ . [ ص: 236 ] فعلى هذا لا يستقيم الاستدلال به.
نعم ، يفهم من هذا أن العقود الواقعة في دار الحرب إذا ظهر عليها الإمام لا يعترض عليها بالفسخ وإن كانت معقودة على فساد.
وبالجملة، فإنه تخللت مدة طويلة بين نزول الآية وبين خطبة النبي عليه السلام بمكة، ووضعه الربا الذي لم يكن مقبوضا من عقود الربا بمكة، قبل أن تفتح، ولم يميز بين ما كان منها قبل نزول الآية وما كان بعدها.
ويمكن أن يستدل به على أن الأنكحة التي جرت في الشرك لا تتعقب بالنقض بعد انبرامها كما في البيع بعد الانبرام.