قوله تعالى: كل الطعام كان حلا لبني إسرائيل إلا ما حرم إسرائيل على نفسه من قبل أن تنزل التوراة (93) .
وهذا يدل على جواز إطلاق الله تعالى للأنبياء تحريم ما أرادوا تحريمه، ويعصمهم عن الزلل في اختياراتهم، ويدل على أيضا، وظاهر ذلك أنه حرمه بنفسه، لا أنه حرم عليه بالوحي، فإن الله تعالى أضاف التحريم إليه، ولم يكن ذلك بالاجتهاد في النظر في أدلة الشرع، فإن الذي كان حلالا من قبل نصا لا يتصور الاجتهاد المأخوذ من أصول [ ص: 290 ] الشرع في تحريمه، والاجتهاد طلب أدلة الشرع والنظر في معانيها، وقد كان ذلك حلالا من جهة الشرع، فعلم أنه صار محرما بعد الإباحة بتحريم يعقوب على نفسه لا بالاجتهاد، بل كان مأذونا له في أن يحرم ما شاء على نفسه، ولم يحرمها الله تعالى، وربما يدل ذلك على أن الذي كان من جواز النسخ يعقوب انتسخ ثانيا من جهة الشريعة، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم حرم مارية على نفسه، ولم يحرمها الله تعالى.
وربما يدل ذلك على أن الذي كان من يعقوب انتسخ بهذا .
ويجوز أن يقال: ومع تحريم مارية ليس نسخا لغيرها.
ويمكن أن يقال: مطلق قوله تعالى: لم تحرم ما أحل الله لك يقتضي أن لا يختص بالشافعي.
وقد رأى أن وجوب الكفارة في ذلك غير معقول المعنى فجعلها مخصوصا لموضع النص. الشافعي
رأى ذلك أصلا في تحريم كل مباح وأجراه مجرى اليمين.
وأبو حنيفة