قوله تعالى : الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة والزانية ، الآية \ 3.
روى عن إسماعيل بن إسحاق أنه قال في الرجل يزني بالمرأة ثم يتزوجها : إنهما زانيان ما عاشا. ابن مسعود
[ ص: 296 ] وروي مثله عن وعن عائشة . علي
وروي عن أنه قال : إذا تاب الرجل حل له أن يتزوجها. ابن مسعود
وروي عن ابن عمرو بن عباس فيمن زنى بها ثم تزوجها، أن أوله سفاح وآخره نكاح، فأما المروي في سبب نزول الآية، فهو مرثد كان يحمل الأسرى وله صديقة بمكة يقال لها عنان من البغايا، قال : فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت : أنكحني عنانا، فأمسك رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يرد علي شيئا حتى نزلت هذه الآية، فقال لي : يا مرثد، إن الزاني لا ينكح إلا زانية. أن رجلا كان يقال له
ونقل عن أن الآية منسوخة بقوله تعالى : سعيد بن المسيب وأنكحوا الأيامى منكم ، ودليل النسخ، أنه جوز للزاني أن ينكح مشركة، وذلك غير جائز، فإنه منسوخ بقوله تعالى : ولا تنكحوا المشركات .
وقال بعضهم : هو وارد في نفس الوطء لا في عقد النكاح، فكأنه قال : وطء الزنا لا يقع إلا من زان أو مشرك، فأما من المؤمن فلا يقع.
وهذا بعيد، فإن قوله : الزاني لا ينكح ، يقتضي تقدير كونه زانيا، وإن النكاح ممتنع إما نهيا وإما خبرا، فلا يجوز حمله على الوطء. ووطء الزانية محرم على غير الزاني، كتحريمه على الزاني، فأقوى التأويلات أن الآية نزلت في بغايا الجاهلية، والمسلم ممنوع من التزوج بهن، فإذا تبن وأسلمن صح النكاح، وإذا ثبت ذلك، فلا يجب كونه منسوخا.
وذهب بعض المتأخرين من أصحاب إلى أن المجلود في الزنا [ ص: 297 ] لا يتزوج إلا مجلودة مثله، فإن تزوج غير زانية، فرق بينهما بظاهر هذه الآية عملا بالظاهر. الشافعي
ولكن يلزمه عليه أنه يجوز للزاني أن يتزوج بالمشركة، ويجوز للزانية أن تزوج نفسها من مشرك.
وهذا في غاية البعد، وخروج عن الإسلام بالكلية، بما قال هؤلاء، إن الآية منسوخة في المشركة خاصة دون الزانية، وهؤلاء يروون عن ابن عباس وأبي هريرة وأبي بن كعب مثل مذهبهم. ورووا عن وابن عمر عن المقبري أبي هريرة واستدلوا عليه بقوله تعالى : أنه صلى الله عليه وسلم قال : لا ينكح الزاني المجلود إلا مثله، ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات - إلى قوله- محصنات غير مسافحات ولا متخذات أخدان ، فإنه تعالى لم يبح عند الضرورة وخوف العنت إلا بشرط الإحصان، ففي حال الضرورة لأن يحرم أولى.
واستدلوا عليه أيضا بما ثبت من وقوع لأنه قد أقر بأنها زنت، فإذا صح الزنا ببينة، فالمنع من تزوجها أولى. الفرقة باللعان،
وأما الكلام في الآية فعلى ما تقدم، وأما الأخبار فمتعارضة والقياس لا وجه له بإقرار نفسه فيما يوجب الفرقة، فلما ثبت بالإجماع أن لا فرقة في هذه الحالة، ثبت أن عند اللعان إنما تجب الفرقة لأمر آخر، إذ لو وجب لكونها زانية، لكان اعترافه بذلك فيها كاعترافه بأنها أخته من نسب أو رضاع، في ألا ينتظر في تحريمها عليه أمر سواه.