واليتيم: هو المنفرد عن أحد أبويه، فقد يكون يتيما من جهة الأم مع بقاء أبيه، وقد يكون يتيما من جهة الأب مع بقاء الأم، والإطلاق أظهر في اليتم من قبل الأب.
وظواهر القرآن في أحكام اليتامى، محمولة على الفاقدين لآبائهم وهم صغار. [ ص: 127 ] ولا يحمل ذلك على البالغ، إلا على وجه المجاز عند قرب العهد بالبلوغ، واليتيم في الأصل اسم للمنفرد، ولذلك سميت المرأة المنفردة عن الزوج يتيمة، سواء كانت صغيرة أو كبيرة، قال الشاعر:
إن القبور تنكح الأيامى ... النسوة الأرامل اليتامى
وتسمى الرابية يتيمة لانفرادها عما حواليها من الأرض.
ويقولون: الدرة اليتيمة لأنها كانت مفردة لا نظير لها.
قال لما نزل قوله تعالى: ابن عباس: إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا كره المسلمون أن يضموا اليتامى إليهم، وتحرجوا أن يخالطوهم في شيء فنزل قوله تعالى: ويسألونك عن اليتامى قل إصلاح لهم خير وإن تخالطوهم فإخوانكم ..
ولو شاء الله لأعنتكم أي: أحرجكم وضيق عليكم، ولكن وسع ويسر فقال: ومن كان غنيا فليستعفف، ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف .
وقال عليه السلام: . "ابتغوا في أموال اليتامى لا تأكلها الصدقة"
وتوفرت الأخبار في دفع مال اليتيم مضاربة والتجارة به.
وقد جوزت الآية ضروبا من الأحكام: [ ص: 128 ] أحدها: قوله تعالى: قل إصلاح لهم خير ، فيه الدلالة على جواز خلط ماله بماله، وجواز التصرف فيه بالبيع والشراء إذا وافق الصلاح، وجواز دفعه إلى غيره مضاربة، وفيه دلالة على جواز لأن الإصلاح الذي تتضمنه الآية إنما يعلم من طريق الاجتهاد، وغالب الظن. الاجتهاد في أحكام الحوادث،
فإذا ثبت ذلك، فقد اختلف العلماء في أفراد تصرفات في مال اليتيم ونفسه، ومتعلق كل واحد منهم في تجويز ما جوزه ظاهر القرآن في ابتغاء المصلحة.
وقال لولي الطفل أن يشتري ماله لنفسه بأكثر من ثمن مثله، لأنه إصلاح دل عليه ظاهر القرآن، والذي لا يجوز يقول: لم يذكر فيه المصرف بل قال: أبو حنيفة: إصلاح لهم من غير أن يذكر فيه الذي يجوز له النظر، وعندنا الجد يجوز له ذلك، والأب في حق ولده الذي ماتت والدته، يتصرف على هذا الوجه، ولا متعلق في الآية من حيث العموم أصلا، إذ ليس للمصرف ذكر يعم أو يحصر.
ويقول إذا كان الإصلاح خيرا فيجوز تزويجه ويجوز أن يزوج منه. أبو حنيفة:
لا يرى التزويج أصلا، إلا من جهة دفع الحاجة، ولا حاجة قبل البلوغ. والشافعي
يجوز للوصي التزويج لأنه إصلاح، ووجه قول وأحمد ما ذكرناه، الشافعي يجوز للجد التزويج مع الوصي لا بحكم هذه الآية. والشافعي
يجوز وأبو حنيفة بظاهر القرآن، فهذه المذاهب نشأت من هذه الآية.. [ ص: 129 ] فإن ثبت كون التزويج إصلاحا، فظاهر الآية يقتضي جوازه، ودل الظاهر على أن للقاضي تزويج اليتيم وله أن ينفق عليه من ماله، وإذا وهب لليتيم شيء فللوصي أن يقبضه له لما فيه من الإصلاح. ولي اليتيم يعلمه أمر الدين والدنيا، ويستأجر له ويؤاجره ممن يعلمه الصناعات،
نعم ، ليس في ظاهر الآية ذكر من يجوز له التصرف ولا يجوز، ويجوز أن يكون معنى قوله: ويسألونك عن اليتامى ، أي: يسألك القوام عن اليتامى الكافلين لهم، وذلك مجمل لا يعلم منه غير الكافل والقيم، وما يشترط فيه من الأوصاف..