قوله تعالى: نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم (223):
فالحرث المزدرع، وهو في هذا الموضع كناية عن الجماع، وتسمى النساء حرثا لأنهن مزدرع الأولاد .
وقال أكثر الفقهاء: فأتوا حرثكم أنى شئتم ، يدل على أن المراد به موضع الحرث. [ ص: 141 ] واشتهر عن إباحة ذلك. مالك
وقوله: أنى شئتم يحتمل كيف شئتم، ويحتمل أين شئتم فلفظ "أنى" يحتملهما جميعا.
وروي أن اليهود قالوا للمسلمين: "من أتى امرأته وهي مدبرة جاء ولده أحول" ، فأنزل الله تعالى: جابر نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مقبلة ومدبرة ما كان في الفرج" . عن
يحتج بقوله تعالى: ومالك والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم ، وأن عموم ذلك يقتضي إباحة وطئهن في الموضع الذي جوزنا وطأهن فيه.
قيل: قوله: إلا على أزواجهم دال على الإباحة المطلقة لا على موضع الإباحة، كما لم يدل على وقت الإباحة في الحائض وغيرها.
ومما تعلق به من حرم الوطء أن قوله تعالى: قل هو أذى ، تعليل تحريم بما يقتضي تحريم الوطء في الذي ينازعنا فيه فإنه موضع الأذى. [ ص: 142 ] وهذا المعنى كان يقتضي تحريم وطء المستحاضة، لولا الحرج في تحريم وطئها، لطول أمد الاستحاضة. وطء الحائض،
ومعنى الأذى ليس يستقل بتحريم الوطء، لولا إيماء الشرع إليه. فإذا عرفت ذلك فاعلم أن قولنا: "ليس هذا موضع الحرث" ، لا يظهر دلالته على تحريم الوطء فيه، كالوطء فيما دون الفرج، ولكن دليل التحريم مأخوذ من غير ذلك في قوله تعالى:
فإذا تطهرن فأتوهن من حيث أمركم الله مع قوله تعالى: فأتوا حرثكم .
إذ يدل على أن في المأتي اختصاصا، وأنه مقصور على موضع الولد.
وروي عن أنه كان لا يرى بذلك بأسا، ويتأول فيه قوله تعالى: محمد بن كعب القرظي،
أتأتون الذكران من العالمين وتذرون ما خلق لكم ربكم من أزواجكم ولو لم يبح مثله من الأزواج، لما صح ذلك.
وليس المباح من الموضع الآخر مثاله، حتى يقال: تفعلون ذلك وتتركون مثله من المباح.
وهذا فيه نظر، إذ معناه: وتذرون ما خلق لكم ربكم من أزواجكم مما فيه تسكين شهوتكم، ولذة الوقاع حاصلة بهما جميعا، فيجوز التوبيخ على هذا المعنى.